للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[تعريف الإذن في التجارة]]

أما اللغة: فالإذن في الشيء: رفع المانع لمن هو محجور عليه، وإعلامٌ بإطلاقه فيما حجر عنه، مَن أذن له في الشيء إِذْنًا (١).

وأما شرعًا: فالإذن في التجارة (٢) عبارة عن فكِّ الحجر الثابت بالرق (٣)، ورفع المانع من التصرف؛ فيصير بالإذن كالأحرار في حق التصرف، وهذا عندنا (٤)، وأما عند الشافعي (٥) فهو عبارة عن إنابة وتوكيل، وتظهر ثمرة الاختلاف في أن الإذن بالتجارة عندنا لا يتخصص بنوع دون نوع، بل يثبت في الأنواع كلها، وعنده (٦) يتخصص، وكذلك لا يتخصص بمكان دون مكان ولا بزمان دون زمان، بل يعُمُّ الأماكن والأزمان كلها؛ لأن العبد عندنا يتصرف بحكم مالكيته الأصلية، وأنها عامة لا تختص بنوع ومكان ووقت، فسيجيء دليل ذلك قريبًا من هذا- إن شاء الله تعالى- (٧).

وقد ورد دليل شرعيته في الكتاب والسنة والمعقول:

أما في الكتاب: فقال تعالى: {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ (١٠)} (٨) وإذن العبد في التجارة طريق (٩) ابتغاء فضل الله.

وأما في السنة: فهي ما رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يركب الحمار، ويجيب دعوة المملوك (١٠)، وفيه دليل تواضع رسول الله -عليه السلام- وأن ركوب الحمار من التواضع، وفيه دليل أيضًا على جواز الإذن للمملوك ليتمكن من اتخاذ الضيافة ما لم يكن له كسب، وطريق الاكتساب التجارة، وليس له أن يباشرها بدون إذن الموْلَى.


(١) انظر: الصحاح (٥/ ٢٠٦٨).
(٢) التِّجَارَةَ: مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ. المبسوط للسرخسي (٢٥/ ١٥٧)، بدائع الصنائع (٦/ ٩٢).
(٣) الرِّقُّ لغَةً: مِنَ الْمِلْكَ وَهُوَ الْعُبُودِيَّةُ. مختار الصحاح (ر ق ق) (ص: ١٢٧)، واصطلاحًا: اسْمٌ لِضَعْفٍ حُكْمِيٍّ يَصِيرُ بِهِ الْآدَمِيُّ مَحِلًّا لِلتَّمَلُّكِ. بدائع الصنائع (٤/ ٨٦).
(٤) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢)، بدائع الصنائع (٥/ ٢٨١)، الاختيار (٢/ ١٠٠).
(٥) انظر: الحاوي الكبير (٦/ ٥٠٦)، المهذب (٢/ ٢٣٥)، وقال الهيتمي: (والأصح أنه استخدام) انظر: تحفة المحتاج (٤/ ٤٨٥)، نهاية المحتاج (٤/ ١٧٠).
(٦) أي: الشافعي- رحمه الله-.
(٧) انظر: المبسوط للشيباني (٨/ ٤٩٨)، تحفة الفقهاء (٣/ ٢٨٦)، تبيين الحقائق (٥/ ٢٠٥).
(٨) سورة الجمعة من آية (١٠).
(٩) سقطت في (ع).
(١٠) أخرجه الحاكم في مستدركه (٤/ ١٣٢) برقم (٧١٢٨) كتاب الأطعمة، من حديث أنس بن مالك، بلفظ: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يردف خلفه، ويضع طعامه في الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار»؛ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان: كتاب حسن الخلق، باب فصل في التواضع وترك الزهو والصلف والخيلاء والفخر والمدح (١٠/ ٤٨٥) برقم (٧٨٤٢)؛ وأخرجه البغوي في شرح السنة: كتاب الفضائل، باب تواضعه -صلى الله عليه وسلم- (١٣/ ٢٤٢) برقم (٣٦٧٥). وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) انظر: المستدرك (٤/ ١٣٢)، قال الألباني: (صحيح). انظر: الجامع الصغير وزيادته (٢/ ٨٨٧).