للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحداهما: أن الرجل إذا اشترى جارية فوجدها ذات زوج، كان له أن يردها، فإن تعيبت عنده بعيب آخر رجع بالنقصان، فإذا رجع بالنقصان ثم أبانها زوجها، كان للبائع أن يسترد النقصان؛ لزوال ذلك العيب، فكذا فيما نحن فيه.

والثانية: إذا اشترى عبداً فوجده مريضاً كان له أن يرده (١)، فإن تعيب عنده بعيب آخر ورجع (٢) بالنقصان، فإذا رجع ثم [كذا من (٣) ئ] (٤) مرضه هل للبائع أن يسترد النقصان؟ قالوا: إن كان (٥) البرؤ بالمداواة لم يكن له أن يسترده، وإلا فله ذلك، والبلوغ هنا لا بالمداواة، فكان له أن يسترده.

والجنون في الصغير عيب، ومعناه أي: معنى قوله: أبداً

أنه لا يختلف بين حالة الصغر والكبر.

(وليس معناه)

أي: معنى قوله: "أبداً" أنه لا يشترط المعاودة كما في البول، والإباق، وذكر في الفوائد الظهيرية والجنون في الصغير عِيب أبداً، من المشائخ من قال معناه: إذا جن عند البائع وجب الرد وإن لم يعاوده عند المشتري؛ لأنه لا يرتفع مأثوه (٦) ذلك تبين في حماليق (٧) عينيه، والصحيح أن المعاودة شرط، وهي منصوص عليها في المبسوط (٨) والجامع (٩)؛ لأن احتمال الزوال بحيث لا يبقى أثره ثابت، والأصل في البيع اللزوم فلا يثبت ولاية الرد، يعنى (١٠) ما قال في الكتاب، أن ولاية الرد تثبت بتقدير المعاودة، وإن كان الجنون عند البائع حالة الصغر والمعاودة عند المشتري حاله الكبر لاتحاد السبب، وهو فساد الباطن، على ما قيل: إن العقل معدنه القلب، وشعاعه إلى الدماغ (١١)، والجنون انقطاع ذلك الشعاع بيبس الدماغ.

[[الجنون في الصغر]]

وذكر في الذخيرة (١٢): "وإن اختلفوا المشائخ في فصل الجنون أن معاودة الجنون في يد المشتري هل هو شرط للرد، بعضهم قالوا: إنها ليست بشرط، بل إذا ثبت وجوده عند البائع يرد له، وإليه مال شمس الأئمة الحلواني (١٣)، وشيخ الإسلام (١٤) - رحمهما الله - وهو رواية المنتقى (١٥)، وبعض مشائخنا قالوا: المعاودة في يد المشتري شرط، وهو المذكور في المبسوط وفي الجامع الكبير".


(١) "يرده" في (ب)، وفي (أ) "يردها".
(٢) "رجع" في (ب) و (ج)، و"يرجعى" في (أ).
(٣) هذه الكلمة بين الكلمتين تتم المعنى فنقول لما في (ب) " ثم برئ من ".
(٤) ما بين المعقوفتين كلام في (أ) لم يعرف معناه وهو "برئ " في (ب).
(٥) سقط من (ج).
(٦) "أثاره" في (ب).
(٧) حملقَ الرجلُ، إِذا أدَار حماليق عينه في نظره. والحملاق والحُمْلوق واحد، وهو باطن الجفن. جمهرة اللغة (٢/ ١١٤٣)، الزاهر في معاني كلمات الناس (٢/ ٧١).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٣/ ١٠٨).
(٩) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣٤٩).
(١٠) "ومعنى" في (ج).
(١١) لم أجد لهذا المثل مصدراً.
(١٢) المحيط البرهاني (٦/ ٥٤٥).
(١٣) سبق ترجمته ص ٩٨.
(١٤) اصطلاح شيخ الإسلام يطلق على كل من تصدر للإفتاء، وحل مشاكل الناس، والإجابة على تساؤلاتهم، وقد اشتهر بذلك مجموعة من علماء المائة الخامسة والسادسة، ويقصد به هنا شيخ الإسلام خواهر زاده. ينظر للنص: مصطلحات المذاهب الفقهية (٩٤).
(١٥) المنتقى للحاكم الشهيد محمد بن محمد بن أحمد بن عبدالله، المروزي البلخي، قتل شهيداً في ربيع الآخر، سنة ٣٤٤ هـ. الطبقات الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٤٤١)، الفوائد البهية (٣٠٥).
قال في المنتقى: "أنه إذا جن في صغره أو كبره مرة واحدة فذلك عيب فيه أبداً، ولم يعادوه، وفي الجامع الصغير يقول: الجنون عيب أبداً، وهذا لأن الجنون آفة تحل بالدماغ، وهي إذا تمكنت لا تزول، هكذا قاله أهل الطب، وإذا بقت في نفسه كان للمشتري حق الرد إن لم يجن في يده". المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٥٤٥).