للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقصّة هذا الحديث أن امرأة جاءت إلى عمر -رضي الله عنه- فقالت: إن زوجي يصوم ويقوم باللّيل، فقال: نعم الرّجل زوجك، فأعادت كلامها مراراً في كلّ ذلك يجيبها عمر بهذا فقال كعب بن سؤر/: يا أمير المؤمنين إنّها تشكو زوجها في أنّه هجر صحبتها فتعجب عمر من فطنته فقال: اقض بينهما فقضى كعب بما ذكر فولاه عمر قضاء البصرة (١).

ثم في ظاهر الرّواية لا يتعيّن حقّها في يوم وليلة من كل أربع ليال ولكنه يؤمر الزّوج بأن يراعي قلبها ويبيت معها أحيانًا من غير أن يكون في ذلك شيء مؤقت وروى الحسن عن أَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله- قال إذا كان للرجل امرأة واحدة فاشتغل عنها بالصّيام والقيام او بصحبة الإماء فخاصمته في ذلك قضى القاضي لها بليلة من كلّ أربع ليال لحديث كعب بن سؤر -رضي الله عنه- ولأن للزّوج أن يسقط حقّها عن ثلاث ليالي بأن يتزوّج ثلاثاً سواها.

وليس له أن يسقط من حقّها أكثر من ذلك.

ووجه ظاهر الرّواية أن القسمة والعدل إنّما يكون عند المزاحمة ولا مزاحمة ههنا حين لم يكن في نكاحه إلا واحدة وهذا لأنّ عند المزاحمة يلحق كلّ واحدة منهما المغايظة بمقامه عند الأخرى فيستحق عليه التّسوية ولايجب ذلك عند عدم المزاحمة كذا في مبسوط (٢) لأنّها أسقطت حقاً لم يجب بعد فلا يسقط لأنّ الإسقاط إنما يتحقق في القائم فيكون رجوعها امتناعاً فصار بمنزلة العارية وللمعير أن يرجع متى شاء لما قلنا فكذا هذا كذا في مبسوط (٣) فخر الإسلام -رحمه الله- والله اعلم.

[كتاب الرضاع]

لم يذكر عامة مسائل الرضاع في فصل المحرمات وأتى بكتاب له على حدة لما أنّ أحكاماً جمة مخصوصة به لا يشاركه فيها غيره ثم المعنى في تحريم الرضاع ما هو المعنى في تحريم المصاهرة بل أولى لأنّ الأصل في التّحريم فيهما هو [الحرمه] (٤) ثم الوطئ هناك قد يكون معلقاً وقد لا يكون لاسيّما في حق أسبابه من التقبيل والمعانقة بشهوة ولا جزية فيها أصلاً فحرم هنا باعتبار شبهة الجزية وإقامة الأسباب مقام الجزئية [وهاهنا الجزية] (٥) ثابتة يقينًا لما أنّ اللبن الذي هو جزء الآدمي يحصل به إثبات اللّحم وإنشاز العظم وإليه أشار رسول الله -عليه السلام- فقال: «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» (٦) فكان التّحريم به أولى.


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب النفقة على العيال (٢/ ٦٨٨)، وعبدالرزاق في مصنفه، باب حق المرأة على زوجها وفي كم تشتاق (٧/ ١٤٨) برقم (١٢٥٨٧)، وقال صالح آل الشيخ في التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل (ص ١٣٨): "صحيح. أورده الحافظ في " الإصابة" في ترجمة كعب هذا، وذكر عن ابن عبد البر أنه خبر عجيب مشهور. وأنه قال: رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" من طريق محمد بن سيرين، ورواه الشعبي أيضاً".
(٢) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٢٢١).
(٣) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٢٢١).
(٤) وفي (ب): (الجزية).
(٥) ساقط من (ب).
(٦) أخرجه أبو داود في النكاح، باب: رضاعة الكبير: (٢/ ٥٤٩)، من حديث أبي موسى الهلالي عن أبيه قال أبو حاتم: مجهولان، وأخرجه البيهقي: (٧/ ٤٦١) من وجه آخر تلخيص الحبير: (٤/ ٤)، رواه الطبراني في معجمه الكبير (٩/ ٩٢) رقم (٨٥٠٠) وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، يُنْظَر: مجمع الزوائد، باب في الرضاع (٤/ ٤٨١).