للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير الترادِّ في قول عليٍّ -رضي الله عنه-: «يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فِيْ الرَّهْنِ»، وتوجيهه]

(وَلَا ضَرُوْرَةَ فِيْ حَقِّ الضَّمَانِ) (١)؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الرَّهْنِ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ مُمْكِنٌ بِأَنْ اسْتَعَارَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، فَالرَّهْنُ بَاقٍ، وَالضَّمَانُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ مُنْتَفٍ، عَلَى مَا يَجِيْءُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى (٢).

(وَالْمُرَادُ [بِالتَّرَادِّ] (٣) فِيْمَا رُوِيَ: حَالَةَ الْبَيْعِ) (٤)، يَعْنِيْ: إِذَا بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ يَرُدُّ الْمُرْتَهِنُ [مَا] (٥) زَادَ عَلَى الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ زَائِدًا يَرُدُّ الرَّاهِنُ زِيَادَةَ الدَّيْنِ (٦).

وَإِنَّمَا حَمَلْنَا التَّرَادَّ عَلَى حَالَةِ الْبَيْعِ تَوْفِيْقَاً بَيْنَ حَدِيْثَيْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- (فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْهُ) (٧)، أَيْ: عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه-، وَهُوَ مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ (٨) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ (أَنَّهُ قَالَ: «الْمُرْتَهِنُ أَمِيْنٌ فِيْ الْفَضْلِ» (٩) (١٠)، فَقَدْ بَيَّنَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالتَّرَادِّ: التَّرَادَّ فِيْ حَالَةِ الْبَيْعِ لَا فِيْ حَالَةِ الْهَلَاكِ، كَذَا فِيْ "مَبْسُوْطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ" (١١).


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٩).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١٤٦)، البناية شرح الهداية (١٢/ ٤٨٢)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٦٥).
(٣) في (ب): (مِن الترادِّ).
(٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٩).
(٥) في (ب): (وما).
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١٤٦)، البناية شرح الهداية ١٢/ ٤٨٢)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٦٥)
(٧) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٩).
(٨) مُحَمَّدُ بنُ الْحَنَفِيَّة: هو أبو القاسم، وأبو عبد الله، محمد بن علي بن أبي طالب، الهاشمي، ابن الحنفية، نِسْبَةً إلى أُمِّه خولة بنت جعفر، من سَبْيِ اليمامة، وهي من بني حنيفة، وُلِدَ في صدر خلافة عُمَر -رضي الله عنه-، ورأى عمر، روى عن: أَبِيْه، وعثمان، وعمار بن ياسر، وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، وغيرهم، وروى عنْهُ: بَنُوْهُ الحسن، وعبد الله، وعمر، وإبراهيم، وعَوْن، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وسالم بن أبي الجعد، وجماعَةٌ غيرهم، كان واسع العلم، ورعاً، أسود اللون، كان أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام، وأخبار قوته وشجاعته كثيرة، وكان المختار الثقفي يدعو الناس إلى إمامته، ويزعم أنه المهدي، تُوُفِّيَ سَنَةَ ٨١ هـ، ودُفِنَ بالبقيع. يُنْظَر: صفة الصفوة لابن الجوزي (١/ ٣٤٤)، تاريخ الإسلام للذهبي (٢/ ٩٩٤)، الأعلام للزركلي (٦/ ٢٧٠).
(٩) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنَّفِهِ" (٤/ ٥٢٥) كتاب (البيوع والأقضية) باب (في الرَّجُل يرهن الرَّجُل فيهلَك) برقم (٢٢٧٩٥) قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَكْثَرَ مِمَّا رُهِنَ بِهِ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْفَضْلِ، وَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِمَّا رُهِنَ بِهِ فَهَلَكَ رَدَّ الرَّاهِنُ الْفَضْلَ».
- وَضَعَّفَهُ الطَّرِيفي في "التَّحْجِيْل"، وقال: وإسناده ضعيف، عبد الأعلى بن عامر الثَّعْلبي ضعيف الحديث لا سيما في روايته عن ابن الحنفية، فإنها كتاب لم يسمعه منه، قاله الثوري وابن مهدي وأبو حاتم وجماعة. يُنظَر: التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل للطَّرِيْفِيّ (ص ٢١٧).
(١٠) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٤/ ١٥٥٩).
(١١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية (١٠/ ١٤٦)، الكفاية شرح الهداية (٤/ ١١٦٢ - ١١٦٣)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٦٥).