للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإلى هذا المعنى أشار في الكتاب فقال: وهو (١) نظير الاختلاف في فائت للحج إذا جاوز الوقت بغير إحرام أي: والذي جاوز الميقات بغير إحرام، ثُمَّ أحرم بعمرة، ثُمَّ أفسد العمرة، ثُمَّ قضاه نظير فائت الحجّ بهذا الطريق، وصورته ما ذكر في «المبسوط» (٢)، وهو أن يجاوز الميقات حلالًا بغير إحرام، ثُمَّ أحرم ففاته الحجّ سقط عنه دم الوقت عندنا، ولم يسقط عند زفر؛ لأن الدم بمجاوزته الميقات صار واجبًا عليه، فلا يسقط بفوات الحجّ كما لو وجب عليه الدم بالتطيب أو لبس المخيط لا يسقط عنه ذلك بفوات الحجّ، ولكنا نقول: لما فاته الحجّ وجب عليه القضاء، وهو للقضاء محرم من الميقات فينعدم به المعنى الذي لأجله يلزمه الدم، وهو أداء الحجّ بإحرام بعد مجاوزة الميقات بخلاف سائر الدماء؛ لأن وجوب ذلك عليه بما ارتكب من المحظورات، فلا ينعدم ذلك بفوات الحجّ، وعلى هذا لو جاوز الميقات حلالًا، ثُمَّ أحرم للحج، ثُمَّ جامع/ قبل الوقوف حتى فسد حجه، ثُمَّ قضاه سقط عنه الدم عندنا خلافًا لزفر -رحمه الله- على ما ذكرنا.

(لأن وقته الحرم) لما ذكر في فصل المواقيت وهو قوله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بأن يحرموا بالحجّ من جوف مكة فأحرم، ووقف بعرفة» (٣)، أي: من غير أن يعود إلى الحرم.

بَابُ إضافة الإحرام إلى الإحرام

فإضافة الإحرام إلى الإحرام في حق المكي، ومن في معناه جناية، وكذلك إضافة إحرام العمرة إلى إحرام الحجّة في حق الآفاقي إساءة، وكراهية ما يذكر بخلاف إضافة إحرام الحجّة إلى إحرام العمرة فلذلك ألحق بابها بباب الجنايات.

قال أبو حنيفة -رحمه الله-: (إذا أحرم المكي بعمرة، وطاف شوطاً، ثُمَّ أحرم بالحجّ، فإنه يرفض الحجّ) (٤).

فإنه فيه ثلاثة قيود كما ترى قيد بالمكي فإن الآفاقي إذا أهّل بالعمرة أولًا فطاف لها شوطًا، ثُمَّ أهّل بالحجّ مضى فيها، ولا يرفض الحجّ؛ لأن بناء أعمال الحجّ على أعمال العمرة صحيح في حق الآفاقي إلا أنه لو طاف للعمرة أقل الأشواط يكون قارناً، وإن طاف لها أكثر الأشواط، ثُمَّ أهّل بالحجّ كان متمتعًا؛ لأن المتمتع من يُحرم بالحجّ بعد عمل العمرة، ولأكثر الطواف حكم الكل، والقارن من يجمع بينهما، وقيّد بالعمرة فإن المكي إذا أهّل بالحجّ فطاف له شوطاً، ثُمَّ أهّل بالعمرة قال: يرفض العمرة؛ لأن إحرامه للحج قد تأكد، وقبل تأكده كان يؤمر برفض العمرة فبعد تأكده أولى كذا في «المبسوط» (٥).


(١) ساقطة من (ب).
(٢) انظر: المبسوط (٤/ ١٧٣).
(٣) لم أقف عليه بهذا اللفظ، والثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أمرهم أن يحرموا بالحج من مكة. قال الحافظ ابن حجر في الدراية (٢/ ٧): أمر أصحابه أن يحرموا بالحج من جوف مكة. أخرجه مسلم من حديث جابر وأبي سعيد أهم أهلوا من البطحاء، وليس فيه تصريح بالأمر. قلت هو عند مسلم في صحيحه: الحج (١٧) بيان وجوب الأحرام (٢/ ٨٨٢) بلفظ (أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أحللنا، ان نحرم إذا توجهنا إلى منى قال: فأهللنا من الأبطح).
(٤) انظر: بداية المبتدي (١/ ٥٥)
(٥) انظر: المبسوط (٤/ ١٨٣).