للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وبمدة معلومة أنها كانت عندهما)

أي: زائدة على الثلاثة.

فإن قيل: ينبغي أن لا يجوز خيار التعيين في الزائد على الثلاثة عند أبي يوسف رحمه الله -؛ لأن أبا يوسف أخذ بالقياس في قوله: إن لم ينقد الثمن إلى الأربعة أيام فلا بيع بينهما (١).

قلت: قوله: إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام تعليق، فلا يلحق بخيار الشرط، فلا يكون الأثر الوارد [في خيار الشرط وأراد فيه] (٢)، وأما خيار التعيين من جنس خيار الشرط؛ لأن في كل منهما خياراً بغير حرف التعليق، فكان الأثر الوارد في خيار الشرط وأراد في خيار التعيين.

[[هلاك أحد الثوبين أو تعيبه]]

(ولو هلك أحدهما، أو تعيب، لزمه البيع فيه بثمنه، وتعين الآخر للأمانة)

يعنى إذا هلك الآخر بعد ما هلك الأول، أو تعيب، لا يلزم عليه شيء من قيمة الآخر.

فإن قلت: لا يكون قبض الآخر أقل (٣) من المقبوض على سوم الشراء، وهناك تجب القيمة عند الهلاك، فينبغي أن يكون هنا كذلك.

قلت: لا كذلك، فإن قبض أحدهما حصل على حقيقة البيع، والآخر بإذن المالك لا على حقيقة البيع، ولا على جهته؛ لأنه لم يقبض الآخر ليشتريه حتى يكون قابضاً بجهة العقد، فلما لم يكن مقبوضاً بجهة العقد وقد قبضه بإذن المالك كان قبض أمان فيهلك أمانة فلا يجب عليه شيء من قيمته، كذا ذكره شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده.

فإن قلت: وكيف انعكس هنا حكم المسألة مع حكم مسألة الطلاق والعتاق، وهو "ما إذا طلق إحدى امرأتيه وأعتق أحد عبديه، ثم ماتت (٤) أحدهما فتعين الباقية للطلاق دون الهالكة، وكذلك في العتاق، وههنا يتعين الهالك للبيع.

قلت: قال علي القمي (٥) (٦) - رحمه الله -: لا فرق بين المسألتين في الحاصل؛ لأن في الفصلين ما يهلك يهلك على ملكه، أما العبد فلأنه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي للرد، وفي الطلاق كذلك تهلك الهالكة على ملكه حتى يتعين الباقية للطلاق، فكان الطلاق هناك بمنْزلة الرد هنا، إلا أن الصحيح ما ذكرنا في (٧) الفرق بينهما، ووجه الفرق فيه هو أن العبد لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلاً للرد؛ لأنه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى، فتعين العقد فيه، وتقيد الباقي للرد ضرورة، وأما في الطلاق والعتاق فحين أشرفت على الهلاك لم يبق محلاً لوقوع الطلاق عليها، فلو وقع الطلاق عليها إنما يقع بعد الموت، والطلاق لا يقع بعد الموت، فيتعين الباقيه للطلاق، وهذا بخلاف ما إذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك أحدهما عنده فإنه لا يرد الباقي؛ لأن العقد تناولهما جميعاً، ألا ترى أنه يملك إتمام العقد فيهما، فبعد ما تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الأجزاء بما فيه من تفريق الصفقه على البائع قبل التمام، وههنا العقد يناول أحدهما، ألا ترى أنه لا يملك إتمام العقد فيهما، فبعد ما هلك أحدهما أو تعيب كان له رد الباقي" (٨)، كذا في المبسوط.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٢٦/ ٢).
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٣) "أولى" في (ب).
(٤) "مات" في (أ).
(٥) علي بن موسى بن يزداد، وقيل: يزيد القمي، صاحب أحكام القرآن، إمام الحنفية فى عصره، توفي سنة خمس وثلاث مائة، كذا ذكره السمعاني، قال أبو إسحاق في الطبقات: وله كتب فى الرد على أصحاب الشافعي. الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٣٨٠).
(٦) في هامش (أ) "القمي" بضم القاف والميم المكسورة، بهذه النسبة إلى قم إن شاء الله، وهي بلدة بين أسبهان وساوة كبيرة، غير أن أكثر أهلها الشيعة ".
(٧) "من" في (ب).
(٨) المبسوط للسرخسي (١٣/ ٥٦).