للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يمُكَّنُ] لحربي (١) من المُقامِ في دارنا حولًا، ولكنْ مُراده من هذا إذا لم يَعْلمِ الإمامُ بحالِه حتى حالَ الحولُ، فحينئذٍ إذا مرَّ عليه يأخذُ منه ثانيًا؛ لأنُه يأَخذُه من المسلمين، وأهلُ الذمةِ باعتبار تجددِ الحولِ، فكذلك يأخذُ منهم (٢)، كذا ذكره فَخْرُ الْإِسْلَام (٣)، والإمامُ المحبوبي.

وإنْ عَشّرهُ فرجعَ إلى دارِ الحرب، ثُمَّ خرجَ في يومهِ ذلك عَشّرهُ أيضًا؛ لأنّ العِصَّمةَ قد انقطعتْ بالرجوعِ إلى دارِ الحرب، وبالعودِ إلينا تثبت عصْمِةٌ جديدةٌ، فصارَ كالمالِ المتجددِ، فيأخذُ منه ثانيًا، ولا يُأخذُ من المسلم ثانيًا في قولِ واحدٍ، وإن كَثُرَ المرورُ؛ لأنَّ المأخوذَ منه زكاة، وأنها لا تتكرر في الحولِ، وكذلك الذِّمي؛ لأن المأخوذ، وإنْ لم يكن زكاةً، ولكنْ يأخذه على الوجه الذي يأخذه منِ المسلم، وأمّا إذا عادَ الحربي إلى دارِ الحربِ، ولم يعلمْ به العاشُر، ثُمَّ خرجَ ثانيًا لم يأخذْه لما مضى؛ لأنّ ما مضَى سقطً لانقطاع الوِلاية عنه، فأمّا المسلمُ والذِّمِّي إذا مرّا على العاشرِ فلمْ يعلمُ بهما، ثُمَّ عَلِم في الحولِ الثاني أخذَ منهما؛ لأنّ الوجوبَ قد ثَبُتَ، والمسقط لم يُؤخْذ، كذا في "الإيضاح" (٤).

قولُه: لأنه لا يُمَكَّنُ من المقام إِلاَّ حولًا، أيْ: إِلاَّ قريبًا منِ الحولِ؛ لأنه لا يُمَكَّنُ من الإقامة حولًا تامًّا.

[هل يُعَشّر الخمر والخنزير؟]

(وإن مرَّ ذمي بخمرٍ أو خنزيرٍ) (٥)، أي: مرّ بهما بنية التجارةِ، وهما يساويان مائتي درهم، فأقوال العلماء على أربعة أوجه كما هو المذكور في الكتاب (٦)؛ (عُشر/ الخمرِ) (٧)، (أيْ: مِن قيمتها) (٨)، وإنما فُسِّرَ بهذا احترازًا نحو قولُ مسروقٍ (٩) -رحمه الله-، فإنُه يقولُ: يأخذ منِ عينَ الخمر، كذا في "المَبْسُوط" (١٠)، ولِأَنَّ ظاهَر قوله: عُشر الخمرِ يَفهم السامعُ أنهُ يُعَشّرُ عينَ الخمر، والمسلم منهي عن الاقترابِ، فلاُبَّد من التأويلِ، ثُمَّ الشَّافِعِي -رحمه الله- (١١) مرَّ على أصله بأنُه لا ماليةَ، ولا قيمةَ لواحدٍ منهما حتى إذا أتلف المسلمُ خمَر الذِّمِّي أو خِنْزِيَرهُ لا يُضمنُ عنده، وقال زُفَرُ -رحمه الله-: يعشّرِهما لاستوائِهما في الماليةِ، فإنَّ المسلمَ إذا أتلفَ خِنزيَر الذِّمِّي ضَمِنَهُ كما إذا أتلف خمره، فإذا عشر أحدهما عشر الآخر أيضًا كأنه جعل الخنزيرَ تِبعًا للخمرِ في المالية لمِاَ أنَّ الخمرَ أقربُ إلى الماليةِ من الخنزيرِ بواسطة التخليل (١٢).


(١) لفظة (لحربي) زيادة في (أ).
(٢) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٢/ ٣٦٣).
(٣) هو: علي بن مُحَمَّد بن الحسين بن عبدالكريم، أبو الحسن، فَخْرُ الْإِسْلَام البزدوي فقيه أصولي، من أكابر الحنفية، من سكان سمرقند، نسبته إلى "بزدة " قلعة بقرب نسف، له تصانيف منها: كنز الوصول في أصول الفقه، (ت ٤٨٢ هـ).
يُنْظَر: الجواهر المضية (١/ ٣٧٢)، سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاء (١٨/ ٦٠٢)، تاج التراجم (١/ ١٤).
(٤) يُنْظَر: الْمُحِيط الْبُرْهَاني: (٢/ ٥٤٣).
(٥) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٦) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٩).
(٧) يُنْظَر: بِدَايَةُ المُبْتَدِي (١/ ٣٥).
(٨) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٥).
(٩) مسروق بن الأجدع الهمداني كنيته أبو عائشة تابعي ثقة روى عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما- قدم المدينة من ايام أبي بكر -رضي الله عنه- وسكن الكوفة. يُنْظَر: أسد الغابة (١/ ١٠٠٧) الأَعْلَام للزركلي (٧/ ٢١٥).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي: (٢/ ٣٧١).
(١١) يُنْظَر: الْحَاوِي (٧/ ٢٢١)، الْمَجْمُوع (١٤/ ٢٨٢).
(١٢) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٣٠).