للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قلنا: إنَّ المسلمَ إذا مَلَكَ الخمرَ والخنزيرَ، خَلَّلَ الخمر، وسَيّبَ الخنزيرَ، وقد يثبتُ الحُكْمُ تِبعًا، وإنْ كان لا يثبتُ مقصودًا، فإنَّ بيعَ النَّحلِ العسّالة (١) لا يجوزُ مقصودًا، ويجوزُ تبعًا للعسل، وهو نظيرُ ما قاله أبوُ يُوسُف في وقفِ (٢) المنقول: إنه لا يجوزُ إِلاَّ أنْ يكونَ تِبعًا للعقارِ (٣) بأنْ يقفَ القريةَ بما فيها مِن آلاتِ الزراعةِ، فإنّ مرّ بكُلِّ واحدٍ على الانفراد عَشّرَ الخمَر دون الخنزيرِ، أي: عند أبي يُوسُف، وأما عنَّدَهما (٤)، فالحُكْمُ كذلك سواءً مرّ بهما أو على الانفراد، ووجهُ الفرقِ لعلمائنا أنَّ الذي يأخذهُ الإمام إنما يأخذُه بسببِ الحمايةِ، والحمايةُ: إنما تكونُ بالولاية، وليس على مسلمِ ولاية حمايةِ الخنزيرِ فهي على أهلِ الذمةِ بخلاف الخمر لمِا عُرِف أنّ الأصلَ في الولايات ولايةُ المرءِ على نفسِهِ، ثُمَّ يتعدَّى إلى غيرهٍ عند وجود شِرط الِتعدي، والمسلمُ يملك حمِاية] الخمر (٥) على نفسه لتخللها أو تتخللٌ بنفسها، فيملك ذلك على غيره إلى آخره (٦) كما هو المذكور في الكتاب (٧).

وهذا الحُكْمُ مرويٌّ عن عُمر -رضي الله عنه- أنُه كتبَ إلى عُمَّاله «أنْ ولُّوهم بيعها، وخذوا نصفَ الْعُشْرِ من أثمانها» (٨).


(١) العَسَّالة هي: الشَّوْرة التي يتخذ فيها النحل العسل، يُنْظَر: شمس العلوم (٧/ ٤٥٢٨).
(٢) الوقف هو: هو حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة الاختيار لتعليل المختار (ص: ٢٩).
(٣) العَقَار: ضَيعة الرَّجُل، والجمع العَقارات. يقال ليس له دارٌ ولا عَقارٌ. قال ابن الأعرابيّ: العَقار هو المتاع المَصُون، ورجلٌ مُعْقِر: كثير المتاع. يُنْظَر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (٤/ ٩٥).
(٤) هما أبي حَنِيفَةَ ومُحَمَّد. يُنْظَر: مقدمة عمدة الرعاية للكنوي (ص ١٧)، المذهب الحنفي لأحمد نقيب (٢/ ٣٢٤).
(٥) في (أ) (الخنزير) وفي (ب) (الخمر) ولعله هو الصواب لموافقته سياق الكلام.
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٣٠).
(٧) يُنْظَر: مُختَصرُ القُدُوري (ص ٥٩).
(٨) رَوَاهُ عبدالرزاق في مصنفه (٩٨٨٦ - ٦/ ٢٣). وقال ابن حجر في الدراية (٢/ ١٦٢): وفي إسناده إبراهيم بن عبدالأعلى قال ابن حجر في التهذيب قال يعقوب ابن سفيان لا بأس به وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين صالح وقال العجلى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي في التمييز (ثقة) يُنْظَر: تهذيب التهذيب (١/ ١٢٠) والله أعلم.