للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ إنما لا يؤُخذ مِن الخنزير؛ لأنه لو أخذَ لا يخلو إمّا أنْ يأخذَ من عينه أو في قيمتهِ ولا يجوز أن يؤُخذُ مِن عينه؛ لأن المسلم ممنوع من تمليكه بملكه، ولا يجوزُ أن يؤُخذَ من قيمتهِ؛ لأنّ قِيمَ ذواتِ القِيم لهِا حُكْمُ الأعيان حتى أنّ الذِّمِّي لو تزوجَ ذِميةً على خنزيرٍ بغير عينه، فأتاها بالقيمةِ أَجُبرتْ على القبول كما لو أتاها بالعينِ بخلاف قيمةِ الخمر، فإنَّ قِيم ذواتِ الأمثالِ ليس لها حُكْمُ الأعيانِ حتى لو تزوجها بخمرٍ في ذمته، فأتاها بالقيمِة لا يُجُبر على القَبولِ كذا في "الجامع الصغير" لفَخْرِ الْإِسْلَام الْمَحْبُوبِيّ، و"الفَوَائِد الظَّهِيرِيَّة ": (١) (أنّ القيمةَ في ذواتِ القيِم لها حُكم العين كما ذكرنا، والخنزيرُ منها) (٢)، أي: من ذواتِ] القيِم (٣)، فإنْ قلت: هذا الذي ذكره هنا، وهو أنّ القيمَة في ذواتِ القيِم لها حُكْمُ العينِ منقوض بما ذُكِرَ في الشّفعةِ (٤) من هذا الْكِتَاب، فقال: وإذ اشترى ذميٌّ بخمرٍ أو خنزيرِ، وشفيعُها ذمي إلى أنْ قال: وإنْ كانَ شفيعُها مسلمًا أخذها بقيمةِ الخمر، والخنزيرِ، فلو كان لقيمةِ الخنزيرِ حُكْمُ الخنزير لما أخذنا بقيمةِ الخنزير كما لا يأخذها بعينِ الخنزيرِ، وذلك منقوضٌ أيضًا بمسألة الغصبِ، والإتلافِ، فإنّ المسلمَ إذا أتلفَ خنزيرَ الذِّمِّي يَضمنُ قيمتَه، فلو كانَ لها حُكم العينِ لما ضَمِنَها كما] لا يضمن (٥)، عين الخنزير (٦).

قلت: القِيمة في حقِّ ذواتِ القيِم بمنزلة عينها من وجهِ دُونَ وجهٍ أمّا إنها ليستْ بعينها فظاهر؛ لأنهما] يتغايران (٧) حقيقةً، وأمّا إنها بمنزلة عينه، فإنه لا يمكن أداؤهُ إِلاَّ بتعيينهِ، ولا تعيينَ إِلاَّ بالتقويم، فأخذتْ القيمةُ حُكمَ العينِ، مِن هذا الوجهِ فلذلك أجُبرتْ المرأةُ على القَبولِ إذا أتاها بالقيمةِ، فلما دارت القِيمةُ بين أنَ يكونْ بمنزلةِ العين، وبين أنْ لا يكونَ أعطى لها حُكمَ العينِ في حقِّ الأخذ والحيازة، وهو في بابِ الزِكاة، ولم يُعطِ لها حُكْمَ العينِ في حقِّ الإعطاءِ؛ لأنُه مَوْضِعُ إزالةٍ وتبعيد، وهو في باب الشَّفْعةِ والإتلافِ، فكان هذا نظيرُ ما ذكرنا في مسألة السرقين (٨) بالانتفاع بالاستهلاك في قوله «وكلَّ إهابِ دُبِغَ فقد طَهُر (٩)».


(١) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٥١)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٢٣٠).
(٢) يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١٠٥).
(٣) في (ب) (القيمة).
(٤) الشفعة عبارة عن حق التملك في العقار لدفع ضرر الجوار، يُنْظَر: البحر الرائق (٨/ ١٤٣).
(٥) في (ب) (يضمن).
(٦) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (٢/ ٢٣٠).
(٧) في (ب) (متغايران).
(٨) السرقين أو السرجين بكسرهما الزَّبل معربا وهما فضلة الحيوانات الخارجة من الدبر، يُنْظَر: القاموس المحيط (١/ ١٥٥٥)، لسان العرب (١١/ ٣٠٠).
(٩) يُنْظَر: الْعِنَايَة شرحُ الهِدَايَة: (١/ ٩٢)، (٢/ ٢٣٠).