للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «المبسوط» (١): القهقهة أفحش من الكلام عند المناجاة، ولهذا جعلت ناقضة للوضوء، وثم سوى بين النسيان والعمد، ففي القهقهة أولى، وإن قهقهه بعدما قعد مقدار التشهد قبل أن يسلم لم تفسد صلاته كما لو تكلم في هذه الحالة؛ لأنه لم يبق عليه شيء من أركان الصلاة، وقد وجد منه صنع ينافي الصلاة، ولكن يلزمه الوضوء لصلاة أخرى عندنا، ولا يلزمه عند زفر فقال: كل قهقهة توجب إعادة الصلاة توجب (٢) الوضوء، وما لا يوجب إعادة الصلاة لا يوجب الوضوء؛ لأنه ليس في معنى المنصوص عليه من كل وجه.

قلت: التسوية بين القهقهة والكلام بوجهين، أحدهما: أن كلا منهما قاطع للصلاة، فلذلك استوى فيهما العمد والنسيان.

والثاني: أن كلا منهما إذا وجد بعد التشهد يوجب تمام الصلاة بالاتفاق.

[[عجز الإمام عن القراءة]]

قوله: وإن حصر الإمام عن القراءة هذه المسألة من خواص مسألة «الجامع الصغير» الحصر بفتحتين العي وضيق الصدر، والفعل منه حصِر مثل لبِس، فهو حصر، ومنه إمام حصر، فلم يستطع أن يقرأ، وضم الحاء فيه خطأ، كذا في «المغرب» (٣)، وذكر في «الصحاح» (٤): كل من امتنع عن شيء لم يقدر عليه، فقد حصر عنه، وقالا: لا يجزئهم، أي: الاستخلاف، بل يتمها بدون القراءة، كالأمي إذا أمَّ قومًا أميين، وذلك لأن جواز الاستخلاف عرف نصًّا بخلاف القياس، والنص ورد في الحدث، وهذا ليس في معنى الحدث/ لأن الحدث مما تعم به البلوى، ولا يندر أما نسيان جميع ما يحفظ أمر نادر، فأشبه الجنابة (٥).

وذكر في «الفوائد الظهيرية»: وليس الحصر في معنى الحدث؛ لوجود أحدها أن الطهارة شرط لجميع الصلاة، والقراءة شرط لبعضها.

والثاني: أنه لا جواز للصلاة بدون الطهارة، وللصلاة جواز بدون القراءة.

والثالث: أن القراءة تجري فيه النيابة بخلاف الطهارة، وهو هاهنا ألزم، أي: العجز هاهنا أثبت من الحدث؛ لأنه لا يمكنه الخلاص عنه الحصر بنفسه بخلاف (٦) سبق الحدث؛ لأنه يمكن الخلاص بإعادة الطهارة، وذكر الإمام قاضي خان، ولأبي حنيفة رحمه الله أن جواز الاستخلاف في باب الحدث للعجز عن المضي، والعجز هاهنا ألزم؛ لأن المحدث عسى يجد ماء في المسجد، فيمكنه إتمام الصلاة من غير استخلاف، أما الذي نسي جميع ما يحفظ لا يقدر على الإتمام إلا بالتعليم والتذكير بخلاف الجنابة؛ لأنها مثل الحدث في العجز إلا أن في الجنابة يحتاج إلى زيادة أمور في كشف العورة، فالنص الوارد ثمة لا يكون واردًا هنا، ولأن الجنابة في الصلاة مما يكن الاحتراز عنها، وكذلك الحصر عن القراءة (٧).


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣١٣.
(٢) في (ب): زيادة اعادة
(٣) / ٢٠٦.
(٤) / ٦٣٠.
(٥) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٨٤.
(٦) ساقط من (ب). (الطهارة، وهو هاهنا ألزم، أي: العجز هاهنا أثبت من الحدث؛ لأنه لا يمكنه الخلاص عنه الحصر بنفسه بخلاف).
(٧) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٨٤.