للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي تلك المسائل، أعني: المتيمم الذي رأى سرابًا فظنه ماء فانصرف، وغيره لم يوجب (١) واحد منهما، ففسدت صلاته لذلك بمجرد الانصراف، وإن لم يخرج من المسجد، وفي مسألتنا وهي ما إذا ظن أنه أحدث وجد أحدهما وهو قصد الإصلاح، ولم يوجد الآخر، وهو قيام العذر، فقلنا: بأنه لا تفسد ما دام في المسجد عملًا بقصد الإصلاح لما أن المسجد، وإن تباينت أطرافه بمنزلة مكان واحد بدليل صحة الاقتداء أو عدم تكرر وجوب سجدة التلاوة، وتفسد إذا خرج من المسجد لاختلاف المكان حقيقة وحكما، ولعدم قيام العذر (٢).

قوله: فهذا هو الحرف، أي: الأصل بين المسألتين، وهو أن الانصراف إذا كان على سبيل قصد الإصلاح لا يستقبل ما لم يخرج عن المسجد، وإذا كان على سبيل الرفض والترك يستقبل بمجرد الانصراف، وإن لم يخرج من المسجد، وتحقيق ما ذكرنا، وإن كان منفردا فموضع سجوده، أي فمقدار موضع سجوده من كل جانب، فإن جن أو نام فاحتلم أو أغمي عليه استقبل، هذا إذا وجدت هذه الأشياء، قيل: إن يقعد قدر التشهد، فأما إذا أغمي عليه بعدما قعد قدر التشهد أو أصابه لمم (٣)، فإن صلاته وصلاة القوم تامة، وعلى الإمام الوضوء لصلاة أخرى.

أما صلاة الإمام تامة؛ لأنه صار خارجًا عنها بالإغماء، وليس عليه ركن من أركان الصلاة، فيجزئه صلاته وصلاة من كان بمثل حاله (٤)، فإن قيل: أليس أن الخروج بصنعة فرض على قول أبي حنيفة ولم يوجد؟ قلنا: وجد لأنه بعدما صار محدثًا بالإغماء لا بد من اضطراب يوجد منه، وذلك صنع منه، وإن لم يوجد الاضطراب، فقدر ما وجد فيه من المكث بعد الحدث قاطع للصلاة؛ لأنه يصير مؤديًا جزءًا من الصلاة مع الحدث، والأداء (٥) صنع منه، فكيف ما كان فقد وجد منه صنع أما من حيث الاضطراب، أو من حيث الأداء مع الحدث (٦).

كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٧)؛ لأنه يندر وجود هذه العوارض، ولأنه بعدما صار محدثًا بهذه الأشياء لا بد من أن يمكث ساعة، والمكث ساعة بعدما سبقه الحدث يوجب فساد الصلاة كما كان مفيقًا فمكث ساعة، وما يوجب فساد الصلاة لا يقع الفرق بين أن يكون بقصده أو بغير قصده كالكلام، فإنه لما كان مفسدًا لم يفرق بين أن يكون مخطئًا أو ناسيًا أو قاصدًا في الكلام، وهذا لأن عند المكث يصير مؤديًا جزء آخر من الصلاة مع الحدث، وهو عليه حرام، وهذا الذي ذكرنا قول علمائنا، فأما على قول الشافعي (٨) إن كان هو إمامًا، فتفسد صلاته ولا تفسد صلاة من خلفه لما أن صلاة المقتدي غير متعلق بصلاة الإمام عنده حتى لو ظهر الإمام محدثًا أو جنبًا، ولم يعلم المقتدي به لا تفسد صلاة المقتدي عنده، كذا في مبسوط شيخ الإسلام (٩)؛ لأنه بمنزلة الكلام من حيث إن كلا منهما ينقل المعنى من ضميره إلى فهم السامع (١٠).


(١) في (ب): يوجد
(٢) يُنْظَر: تحفة الفقهاء: ١/ ٢٢٦.
(٣) في (ب): ألم
(٤) في (ب): بمثله
(٥) في (ب): وهو
(٦) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٨٣.
(٧) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٢٣٠.
(٨) يُنْظَر: الأم للشافعي ١/ ٢٣٨، فتح العزيز ٤/ ٤٠١.
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي: ١/ ٣٠٦.
(١٠) يُنْظَر: العناية شرحج الهداية: ١/ ٣٨٤.