للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ظاهر الرواية: أنه لم يفصل بين ما إذا مشى في المسجد مستقبل القبلة أو انصرف عن القبلة، وفرق بينهما وبين تلك المسائل، ووجه الفرق هو أن هذا انصراف لإصلاح الصلاة لا على قصد الترك والإعراض بخلاف تلك المسائل، فإن انصرافه ثمة كان على قصد الترك والرفض. ألا ترى أنه لو تحقق ما تخيله لا يمكنه البناء، وما تجانس هذه المسألة ما ذكر في العيون: رجل صلى العشاء فسلم على رأس الركعتين على ظن أنها ترويحة، أو كان في صلاة الظهر فسلم على رأس الركعتين على ظن أنها جمعة، أو سلم على رأس الركعتين على ظن أنه (١) مسافر، فإنه يستقبل، ولو سلم على رأس الركعتين على ظن أنها رابعية (٢) فإنه يبني على صلاته، ويسجد للسهو؛ لأن في المسائل الثلاث تيقن أنه صلى ركعتين لا غير، فكان عامدًا في السلام (٣) على رأس الركعتين، وسلام العمد قاطع، وفي المسألة الأخيرة: سلم على ظن أنها رابعية (٤)، فلم يكن عامدًا في السلام على رأس الركعتين، ولأن في تلك المسائل شبهة عليه ما لا يشتبه غالبًا لاختصاص كل صلاة بوقت وشرائط، واختصاص السفر بعلامات، فلا يتحمل (٥) ذلك (٦).

أما هاهنا فبخلافه كذا في «الجامع الصغير» لقاضي خان، فالحق قصد الإصلاح بحقيقيته، فإن القصد إلى الشيء يجعل كأنه يفعل ذلك الشيء في الشرع كما إذا تترس الكفار بأسارى المسلمين، فإنه يباح الرمي إليهم بشرط إن كان قصدهم الرمي (٧) إلى الكفار، فيجعل كأنهم رموا إلى الكفار علم أن القصد إلى الشيء يلحق به، ثم هاهنا لو كان حقيقة الإصلاح بأن تحقق ما توهمه من الحدث (٨) لما فسدت صلاته بالانصراف؛ لكون انصرافه لإصلاح صلاته، فكذا إذا انصرف على قصد الإصلاح، فإن قلت: لو كان قصد الإصلاح ملحقًا بحقيقة الإصلاح، وهي الانصراف للتوضئ عند تحقق الحدث لكان يجب أن لا يستقبل الصلاة، وإن خرج من المسجد كما هو الحكم في حقيقة الإصلاح (٩).

قلت: الحكم يثبت على حسب ثبوت الدليل، ثم في حقيقة الإصلاح، وهي الانصراف للتوضئ عند تحقق الحدث وجد شيئان، أحدهما: قصد الإصلاح، والثاني: قيام العذر فتقوى أحدهما بالآخر، فلذلك ثبت لذلك الدليل من القوة ما ليس لغيره، فلم تفسد صلاته بالانصراف لا في المسجد ولا خارج المسجد لقصد الإصلاح، ولقيام العذر أصله قوله عليه السلام:/ «من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف» (١٠) الحديث (١١).


(١) في (ب): أنها
(٢) في (ب): رابعته
(٣) في (ب): زيادة الصلاة
(٤) في (ب): رابعته
(٥) في (ب): يحتمل
(٦) يُنْظَر: الفتاوى الهندية: ١/ ٩٨.
(٧) في (ب): بالرمي
(٨) في (ب): زيادة السابق
(٩) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٨٢.
(١٠) أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في البناء على الصلاة (٢/ ٢٨١) رقم الحديث: ١٢٢١، والدار قطني في سننه، كتاب: الطهاة، باب: في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة ونحوه (١/ ٢٧٦) رقم الحديث: ٥٦٧. وقد ضعغه الإمام الألباني. يُنْظَر: ضعيف الجامع الصغير وزيادته (ص: ٧٨٣).
(١١) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٨٣.