للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(ثم لا يبطُل استحقاقه بموته) قبل موت المرتدِّ لأنَّ الرِّدَّة في حكم التوريث كالموت، ومَن مات من الورثة بعد موت المورِّث قبل قِسمة ميراثه لا يبطُل استحقاقه، ولكن يُخلِفه وارثه فيه فهذا مثله.

فأمَّا رواية محمد عن أبي حنيفة -وهي الأصح- يُعتبر مَن يكون وارثًا له حين مات أو قُتِل سواءٌ كان موجودًا وقتَ الردَّة أو حدَث بعده لأنّالحادث بعد انعقاد السَّبب قبل إتمامه يُجعل كالموجود عند ابتداء العقد في أنَّه يصير معقودًا عليه بالقبض، ويكون له حصَّة مِن الثَّمن، فههنا أيضًا، مَن يحدُث بعد انعقاد السَّبب يُجعل كالموجود عند ابتداء السَّبب، ولو تصوِّر بعد الموت الحقيقي وَلَدٌ له/ من علوق حادث، لَكُنَّا نجعلُه كذلك أيضًا، إلَّا أنّ ذلك لا يتصوَّر. فأمَّا بعد الهلاك الحكمي فالزِّيادة يُتصوَّر فيُجعَل الحادث كالموجود عند ابتداء السبب (١)؛ كذا في المبسوط.

وحاصله أنَّ على رواية الحسن يُشترط الوَصفانِ، وهما كونه وارثًا وقتَ الردَّة، وكونه باقيًا إلى وقت الموت أو القَتل، حتَّى لو كان وارثًا ثُمَّ مات قبل موت المرتدِّ، أو حَدَث وارثٌ بعد الرِّدَّة (٢) فإنَّهما لا يرثان. وعلى رواية أبي يوسف يُشترط الوصف الأوَّل دون الثَّاني وعلى روايةِ محمد يشترط الوصف الثَّاني دون الأول.

[[الميراث في الردة]]

قوله: (بل يخلُفه وارثه) أي: يخلف الوارثُ وارثَه.

(وترث امرأتُه المسلِمة إذا مات أو قُتِل وهي في العَّدة)؛ "لأنَّ النِّكاح بينهما، وإنْ ارتفع بنفس الرِّدَّة، ولكنَّه فارٌّ عَن ميراثها وامرأة الفارِّ ترثُ (٣)، و (٤) إنْ كانت في العدَّة عند موته. وعلى رواية أبي يوسف -رحمه الله- تَرِث وإنْ كانت منقضيةَ العدَّة عند أبي حنيفة لأنَّ سبب التَّوريث كان موجودًا في حقِّها عند ردَّته، وعلى تلك الرِّواية إنَّما يُعتبر قيام السَّبب عند أوَّل الردَّة" (٥)، كذا في المبسوط.

فإن قلت: إسناد التوريث على قول أبي حنيفة -رحمه الله- إلى ما (٦) قبل الرِّدَّة، فعلى ذلك يَجِب أنْ لا [يتَفاوت] (٧) بينَ ما إذا كانتْ المرأةُ مدْخولًا (٨) بها أَو غير مدخولٍ بها لأنَّ الرِّدَّة موتٌ حُكمي، وإذا مات أَحَد الزَّوجين وَرِث البَاقي عن الميِّت، وإنْ كان قَبل الدُّخول. وههنا لم تَرث المرأة إذا كانت قبل الدخول أو بعد انقضاء العدة. قلتُ: جعَل ردَّة الرَّجل كالموت لأنَّه يستحقُّ بها قتله، وليكون توريث المسلم من المسلم، وأمَّا هو حي حقيقة، ألا ترى أنّ امرأتَه تعتدُّ بثلاث حِيض لا بأربعة أشهر وعشر، وإذا كان كذلك فلا ترث المرأة الَّتي لم يدخل بها أو انقضت عدَّتها وقت الموت؛ "لأنَّ حكم التَّوريث إنَّما يتقرَّر بالموت، وإنْ كان يستند إلى أوَّل الردَّة؛ لأنَّه بعد الردَّة حيٌّ حقيقةً. وإنَّما يرث الحيُّ مِن الميت لا من الحيِّ. ولهذا يُعتبر بقاء الوارث وقتَ موتِه حتَّى لو مات ولده، وقبل موته لم يرثه، فكذلك يُعتبر قيام عدَّتها وقتَموتِه، فإذا انعدَم، لم يكن لها ميراث" (٩)؛ إلى هذا أشار في المبسوط.


(١) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٢ - ١٠٣).
(٢) في (ب) "الولادة".
(٣) في (ب) "لا ترث".
(٤) ساقط من (ب).
(٥) المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٣).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (أ) "تتفاوَت".
(٨) الدخول بالمرأة: في عرف اللغة والشرع يراد به الوطء، قال الله -تعالى عز شأنه-: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ} [النساء: ٢٣]. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٤٩).
(٩) المبسوط للسرخسي (٦/ ١٦٣).