للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: إنَّ أبا حنيفة -رحمه الله- أَسند التَّوريث إلى ما قبل الرِّدة، [وقبل الردة] (١) هو صحيح حقيقةً وحكمًا، فكيف يصير بارتدادِه فارًّا عَن ميراث امرأتِه، وحُكم الفارِّ مخصوص بما إذا كان الطَّلاق في مَرض الموت أو فيما يقوم مقام مَرَض الموت من حيث إنَّه يفضي إلى الهلاك غالبًا. قلنا: قد ذكر في الفوائد الظهيرية بيان أنَّه (٢) [صار فارًّا فقال:] (٣) أمَّا إذا ارتدَّ الزَّوج وهو مريض، فلا إشكال. وإنْ كان صحيحًا فكذلك لأنَّ الردَّة بمنزلة المرض لأنَّها سببٌ للموت فيتعلَّق حقُّها بماله (٤). وهذا يعضِدُ قولُ محمَّد، فإنَّ عنده ينفَّذ تصرُّفه كما ينفَّذ من المريض (٥). وحاصله أنّ الفُرقة حكم الردَّة، وعلى قول بعض المشايخ الحكم يتعقَّب العلَّة، والردَّة مِن حين وُجدَت بمنزلة مَرض الموت لإفضائها إلى الهلاك، فكان هو مُبطلًا حقَّها بالارتداد فاعتُبِر لذلك بالفارّ.

(بخلاف المرتدِّ عند أبي حنيفة -رحمه الله- وأشار إلى الفُرق وقال: المرأة لا تُقتَل والرجل يُقتل، ومعنى هذا: أنَّ عصمة المال تَبَع لعصمة النفس، فبالردَّة لا تزول عصمة نفسها حتى لا تُقتل، فكذلك عصمة مالها، بخلاف الرجل فلمّا كانت عصمة مالها باقيةً بعد ردَّتها كان كلُّ واحد من الكَسْبَينِ مِلكها فيكون ميراثًا لورثتها (٦)؛ كذا في المبسوط.

(ويرثها زوجُها المسلِم إنْ ارتدَّت، وهي مريضة) يعني: أنَّ المرأة إذا ارتدَّت وهي مريضة ثم ماتت المرأة، أَو لحِقَت بدار الحرب في العدَّة، ورثها زوجُها لقصدِها إبطال حقِّه، فكانت فارَّةً فيُردُّ قصدها عليها كما في جانب الرَّجل. فإنْ قلتَ: إنَّ فرار الزَّوج إنَّما كان يتحقَّق إذا مات الزَّوج وهي في العدَّة، ألا تَرى أنَّه لو طلَّقها قبل الدُّخول في مرَضه لم يكن لها الميراث

لأنَّها لَيست في عدَّته، ثُمّ ههنا لا عدَّة على الرجل فينبغي أنْ لا يرثها الزوج، ولأنَّها بنفس الردَّة قد بانت (٧) / منه وهي لا تُقتل؛ فلو قُلنا بالتَّوريث كان فيه توريث المسلم من الكافر.


(١) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٢) في (ب) "أنه فار".
(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٤) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٨٦).
(٥) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٠٥).
(٦) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١١١ - ١١٢).
(٧) بانت المرأة من زوجها: أي انفصلت عنه ووقع عليها طلاقه. والطلاق البائن: هو الذي لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إلا بعقد جديد. لسان العرب (١٣/ ٦٤)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (١/ ٣٦).