للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[حديث"الشاة المصلية" أصل أكثر مسائل الغصب]]

قال محمد (١) - رحمه الله- يعني: المُحْبَسِينَ، فأَمْرُه بالتصدق بها بيانٌ أن الغاصب قد ملكها، لأن مال الغير يُحفظ عليه عينه إذا أمكن، وثمنه بعد البيع إذا تعذّر عليه حفظ عينه، ولمَّا أمر بالتصدق بها دلّ أنّه ملكها، قال محمد (٢): وهذا الحديث جعله أبو حنيفة- رحمه الله-أصلًا في أكثر مسائل الغصب (٣)؛ ولأن الدقيق من حيث الصورة أجزأ ملك المغصوب منه، وهذه الصورة معتبرة فيما بُني على الاحتياط، والأكل مبني على ذلك؛ وإنما يتم تحول حق المغصوب منه إلى الضّمان بالاستيفاء أو بالقضاء؛ فلهذا لا ينتفع به إلا بعده) كذا في «المبسوط» (٤).

يُقال: نَفِسَ به بالكسر بنفس أي: من ضَنَّ (٥) به من حدِّ علم (٦)، فقوله- عليه السلام- (أطمعوها الأسارى) (أفاد الأمر بالتصدق، وزوال ملك المالك)؛ لأنه لا يجوز التصدق بمال الغير، بل يُمسك ليحضر المالك على ما قلنا (٧).

[[إباحة الانتفاع في الحنطة والنواة لوجود الاستهلاك]]

فإن قلتَ: يُشكل على هذا التصدق باللُّقَطَة (٨)، ولا شك أنها مال الغير، ومع ذلك أمر الْمُلْتَقِط بالتصدق إذا كان غنيًّا؟ قلتُ: إنما يتصدق بها بعد التعريف للعجز عن إصابة المالك (٩) وعن صيانة المال، وههنا المالك معلوم فلا يجوز التصدق إذا لم يزل ملك المالك، كذا ذكره الإمام اليرعري (١٠) (١١) - رحمه الله- (غير أن عند أبي يوسف (١٢) - رحمه الله- يُباح الانتفاع فيهما) أي: في الحنطة التي زرعها، وفي النواة (١٣) التي غرسها بالغصب (لوجود الاستهلاك من كل وجه) ولما وُجد الاستهلاك من كل وجه انقطع حق المالك من كل وجه، بخلاف الحنطة إذا غصبها وجعلها دقيقًا؛ فإن الدقيق هو أجزاء الحنطة المغصوبة، ولم تكن الحنطة مستهلكة من كل وجه، وقوله: (بخلاف ما تقدّم) وهو قوله: (كمن غصب شاة وذبحها وشواها أو طبخها أو حنطة فطحنها أو حديدًا فاتخذه سيفًا)، وذكر في «الإيضاح» (١٤).

[[كراهية الانتفاع قبل أداء الضمان في مسألة الطحن]]

ففرق أبو (١٥) يوسف بين هذه المسألة أراد بها ما (إذا غصب حنطة فزرعها حيث لا يُكره الانتفاع قبل أداء الضمان ولا يتصدّق بالفضل) وبين (١٦)

مسألة الطحن فإنه يُكره الانتفاع به قبل أداء الضمان بالاتفاق (١٧) والوجه: أنّ الطحن ليس بإتلاف حقيقة؛ وإنما هو تغيير لصفة العين، فجاز أن يتعلَّق حق المالك (١٨) به لقيام العين (١٩).


(١) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٧)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٥).
(٢) انظر: حاشية ابن عابدين (٤/ ٣٥٥).
(٣) سقت في (أ) و (ع) وأثبتها من كتاب المبسوط للسرخسي. انظر: (١١/ ٨٧ - ٨٨).
(٤) للسرخسي (١١/ ٨٧ - ٨٨).
(٥) ضَنَّ: بَخِلَ. المغرب مادة (ض ن ن) (ص: ٢٨٦)، مختار الصحاح مادة (ض ن ن) (ص: ١٨٦).
(٦) انظر: مختار الصحاح مادة (ن ف س) (ص: ٣١٦).
(٧) انظر: العناية شرح الهداية (٩/ ٣٣٦).
(٨) اللُّقَطَةُ لُغَةً: الشَّيْءُ الَّذِي تَجِدُهُ مُلْقًى فَتَأْخُذُهُ. المغرب مادة (ل ق ط) (ص: ٤٢٦) وشرعًا: وهو مال يوجد على الأرض، ولا يُعرف له مالك. العناية شرح الهداية (٦/ ١١٨) الجوهرة النيرة (١/ ٣٥٥).
(٩) في: ع (الملك) وما أثبت هو الصحيح. انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٠).
(١٠) ذُكر في الجواهر المضية في ضبط اسمه ما نصه: (اليرعري؛ كذا رأيته مضبوطًا فى القنية فى نسخة جيدة، ورأتيه مضبوطًا في موضع آخر؛ البرعري- بالباء الموحدة-) وساق القرشي عن القنية نقلًا أشار فيه إلى كتاب لليرعري يسمى: بالجامع. انظر: الجواهر المضية (٢/ ٣٥٨)، كشف الظنون (١/ ٥٧٥).
(١١) انظر: البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٠).
(١٢) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٥٣)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٩٧).
(١٣) النَّوَى: حَبُّ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ الْوَاحِدَةُ نَوَاةٌ. المغرب مادة (ن و ي) (ص: ٤٧٣).
(١٤) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٩٧).
(١٥) في (أ): (أبي) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(١٦) في (أ): (وهي).
(١٧) انظر: بدائع الصنائع (٧/ ١٥٣)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٩٧).
(١٨) في: ع (الملك) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٩٧).
(١٩) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٩٧).