للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رمى صيداً، فوقع حيَّاً عند إنسانٍ نائمٍ]

وكذلك لو وقع عند نائم، والنائم بحال لو كان [مستيقظًا] (١) قدر على أن يذكيه، فمات، لا يؤكل عند أبي حنيفة/، فأبو حنيفة/ يجعل النائم كاليقظان {في مسائل} (٢) من جملتها هذه المسألة (٣).

[رمى صيداً فأصابه، فتحامَل الصيدُ حتى غاب عَنْهُ]

التَّحَامُلُ فِي [الْمَشْيِ] (٤): أن يتكلّفه على مشقة وإعْياءٍ، يُقَال: تحامَلْتُ في الْمَشْي، ومِنْه: [رُبَّما] (٥) يتحامَلُ الصّيدُ ويطير، أَيْ: يتكلَّفُ الطَّيَران، وهو من الحَمْل، أَيْ: يَحمِل الصّيدُ نفسَه على تكلُّف الْمَشْي والطّيَران، كذا في "الْمُغْرِب" (٦).

[وجَد صيدَهُ وفيه أثر سهمه لا غير]

(ولم يزل في طلبه حتّى أصابه {مَيْتًا} (٧): أُكِلَ) (٨)، هذا إذا وجده وفيه جراحة سهمه لا غير (٩).

[وجد صيدَهُ وفيه جِراحةٌ أُخْرى معَ جِراحةِ سهمٍه]

وأمّا إذا وجده وفيه جراحة أخرى: أيضاً ليس له أن يأكله، ترك الطلب، أو لم يترك؛ لأنّه ظهر لموته سببان: أحدهما موجب للحِلّ، والآخَر موجب للحُرمة، فيُغَلَّب الموجب للحرمة، كما لو وقعت الرمية في الماء ثم أصابه ميتًا لم يؤكل (١٠)، وقال الشّافعي/: يؤكل (١١) (١٢)؛ لأنّه ظهر لموته سبب، وهو ما كان منه من إرسال الكلب والبازيّ، أو الرّمي، والحكم متى ظهر عُقَيْب سبب يُحال به عليه (١٣)، كما لو جَرَح إنسانًا فلم يزل صاحبَ فراشٍ حتّى مات، يُجعل قاتلاً، ولكنا [نستدلّ] (١٤) بما رُوِي أَنَّ رَجُلًا أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (١٥) صَيْدًا فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟» قَالَ: كُنْتُ رَمَيْتُهُ بِالْأَمْسِ، [وَكُنْتُ] (١٦) فِيْ طَلَبِهِ، حَتَّى حَالَ بَيْنِيْ وَبَيْنَهُ [ظُلْمَة] (١٧) اللَّيْلِ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ الْيَوْمَ مَيْتًا، وَفِيْهِ مِزْرَاقِيْ -وَهُوَ الرُّمْحُ الصَّغِيْرُ، أَخَفَّ مِنْ الْعَنَزة (١٨) -، فَقَالَ النَّبِيُّ -عليه السلام-: «لَا أَدْرِيْ لَعَلَّ بَعَضَ الهَوَامِّ (١٩) أَعَانَكَ عَلَى قَتْلِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِيْ فِيْهِ» (٢٠)، وَقَالَ ابْنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «كُلْ مَا أصْمَيْت (٢١) ودَعْ ما أنْمَيْتَ» (٢٢)، والإنماء: التواري عن بصرك (٢٣)، إلا أن قدر ما لا يُستطاع الامتناع منه جُعِل عفْوًا، فأما ترْك الطّلب فيما يستطاع الامتناع منه، والثّابت بالضّرورة لا يعدو موضع الضّرورة (٢٤)، كذا ذكر في الباب الثاني من كتاب/ صيد "المبسوط" (٢٥).


(١) في (ب): (متيقظاً).
(٢) سقطت من (ب).
(٣) يُنْظَر: المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٨/ ٤٣٣ - ٤٣٤)، رد المحتار على الدر المختار (٦/ ٤٧١)، الفتاوى الهندية (٥/ ٤٢٨).
(٤) في (ب): (الشيء).
(٥) في (ب): (وربَّما).
(٦) يُنْظَر: الْمُغْرب في ترتيب الْمُعرب (ص ١٤١).
(٧) هذه الكلمة ليست في أيٍّ من النسختين، وقد أثبتها لأنها موجودة في المطبوع، ولضرورتها للمعنى.
(٨) يُنْظَر: بداية المبتدي (٢٢٩).
(٩) يُنْظَر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٥٨)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٢٧)، الجوهرة النيرة على مختصر القدوري (٢/ ١٧٨ - ١٧٩).
(١٠) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٤٠)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (٢/ ٥٧٩).
(١١) يُنْظَر: الأم للشافعي (٢/ ٢٥٠)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٨/ ١٢٣).
(١٢) أقوال المذاهب في الصيد إذا أصابه إنسان، ثم وجده ميتًا بعد غيابه عنه، وفيه أثر سهمه وسلاحه:
- مذهب الحنفية: إن غاب عنه الصيد، غير متحامل على المشي، ثم وجده ميتاً وفيه أثر سهمه، فإن كان قعد عن طلبه فلا يحل، وإن لم يقعد عن طلبه فيَحِلّ.
- مذهب المالكية: إذا وجد الكلب أو السهم قد أنفذ مقاتل الصيد فلا بأس بأكله ما لم يبِت، وقال بعضهم: إن غاب عنه طويلاً فلا يأكله، سواءٌ بات عنه أو لم يبِت.
- مذهب الشافعية: الأظهر من المذهب التحريم، وقيل: هو المذهب المعتمد.
- مذهب الحنابلة: المشهور في المذهب: إن وجده ميتاً، بعد سهمه الذي رماه فيه، وسهمه فقط فيه، أو أثر السهم، ولا أثر به غيره، حَلّ، وعن أحمد: إن غاب نهاراً فلا بأس، وإن غاب ليلاً لم يأكله، وعنه: ما يدل على أنه إن غاب مدة طويلة لم يبح، وإن كانت يسيرة أبيح له، لأنه قيل له: إن غاب يوماً؟ قال: يوم كثير. يُنْظَر: الاختيار لتعليل المختار (٥/ ٤)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٦/ ٥٧)، الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٤٣٣)، القوانين الفقهية (ص ١١٩)، أسنى المطالب في شرح روض الطالب (١/ ٥٥٨)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (٨/ ١٢٣)، كشاف القناع (٦/ ٢٢٠)، المغني لابن قدامة (٩/ ٣٧٨ - ٣٧٩).
(١٣) الحكم متى ظهر عُقَيب سببٍ يُحالُ به عليهِ: من القواعد الفقهية، معناها: أن الحكم متى ظهر، أو متى ورد بعد سبب فإنه يحال عليه، أي: يبنى عليه ويعتبر عِلَّةً له، ومن أمثلتها: إذا وُجِدَ شخص مَيِّتُ في أرض معركة فإن لم يكن به جراحةٌ غُسِّلَ، وإن كان به جراحةٌ لا يُغَسَّل، لأن الظاهر أن موته كان بذلك الجرح وأنه كان من العدو. يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٢/ ٥١)، موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (١/ ٤٩٨، ٣/ ٢١٥).
(١٤) في (أ): (يستدلّ).
(١٥) في (ب): -عليه السلام-.
(١٦) في (أ): (وكتب).
(١٧) في (ب): (الظُّلْمة).
(١٨) يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٢٢٩)، مختار الصحاح (ص ١٣٥).
(١٩) الْهَوَامّ: مُفْرَدُهُ هَامَّة، وَالْهَامَّةُ مِنْ الدَّوَابِّ مَا يَقْتُلُ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ كَالْعَقَارِبِ وَالْحَيَّاتِ، وَقِيْلَ: تَقَعُ الهوامُّ عَلَى غَيْرِ مَا يَدِبُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كالحَشَرات. يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٥٤٩)، لسان العرب (١٢/ ٦٢٢).
(٢٠) أخرجه أبو داود في "المراسيل" (ص ٢٨٠) بابٌ (في الصيد) برقم (٣٨٢) قَال: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، -وَهَذَا حَدِيثُ زُهَيْرٍ- حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا، أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ظَبْيًا فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَ هَذَا؟» قَالَ: رَمَيْتُهُ أَمْسِ، فَطَلَبْتُهُ فَأَعْجَزَنِي حَتَّى أَدْرَكَنِي الْمَسَاءُ فَرَجَعْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ اتَّبَعْتُ أَثَرَهُ فَوَجَدْتُهُ فِي غَارٍ، أَوْ فِي أَحْجَارٍ، وَهَذَا مِشْقَصِي فِيهِ أَعْرِفُهُ، قَالَ: «بَاتَ عَنْكَ لَيْلَةً وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ هَامَّةٌ أَعَانَتْكَ عَلَيْهِ، لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ».
- وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٤٠٣) برقم (١٨٨٩٨)، مُرسَلاً.
- قال الشافعي: رواه ابو داود في المراسيل، فهو مرسَل ضعيف، وعطاء بن السائب ضعيف. يُنْظَر: المجموع شرح المهذّب للشافعي (٩/ ١١٥).
(٢١) أَصْمَيْتَ: الْإِصْمَاءُ: أَنْ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَمُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَرِيعًا فِيْ مَكَانِهِ. يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٢٩٩)، النهاية لابن الأثير (٣/ ٥٤).
(٢٢) رُوِيَ موصولاً وموقوفاً: - فالموصول: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢/ ٢٧) باب (العين) (سعيد بن جبير عن ابن عباس) برقم (١٢٣٧٠) قَال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدًا أَسْوَدَ جَاءَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَمُرُّ بِيَ ابْنُ السَّبِيلِ، وَأَنَا فِي مَاشِيَةٍ لِسَيِّدِي فَأَسْقِي مِنْ أَلْبَانِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ؟ قَالَ: «لَا» قَالَ: فَإِنِّي أَرْمِي فَأُصْمِي وَأُنْمِي قَالَ: «كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ».
- والموقوف: أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ٤٠٤) كتاب (الصيد والذبائح) باب (الإرسال على الصيد يتوارى عنك ثم) برقم (١٨٩٠١) قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ ابْنُ يَعْقُوبَ، أنبأ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، أنبأ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الرَّحِيلِ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنها- وَمَيْمُونٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ إِنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ فَأُصْمِي وَأُنْمِي فَكَيْفَ تَرَى؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ».
- قال البيهقي: وقد رُوِي هذا من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعا، وهو ضعيف، وقال في "خلافياته": فيه عثمان الوقاصي وهو ضعيف الحديث لا يحتج بروايته، قال: والمشهور وقفه على ابن عباس. يُنْظَر: البدر المنير لابن الملقِّن (٩/ ٢٦١).
- قال الهيثمي عن الموصول: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عثمان بن عبد الرحمن وأظنه القرشي، وهو متروك. يُنْظَر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (٤/ ٣١).
- قال الألباني عن الموصول: وهذا اسناده ضعيفٌ جداً. يُنْظَر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (٩/ ١٠٣).
(٢٣) يُنْظَر: الْمُغْرِب في ترتيب الْمُعْرَب (ص ٢٩٩)، النهاية لابن الأثير (٥/ ١٢١).
(٢٤) الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة: من القواعد الفقهية، ولها ألفاظٌ متعددة منها: الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها ويتجدد بتجددها، الضرورة تُقَدَّر بقدرها، ومعناها: أنَّ ما ثبَت بالضرورة يُقَدَّر بقدْرِها ويزول بزوالها، ومِثَال ذلك: إن المضطر يأكل من الميتة بقدر سد رمقه، أي: بمقدار ما يدفع عن نفسه خطر الهلاك جوعاً. يُنْظَر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (٤/ ١٦٦)، موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (٢/ ٥٤٣).
(٢٥) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٢٤٠)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٥/ ٥٩)، العناية شرح الهداية (١٠/ ١٢٧).