للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعند الشافعي (١) - رحمه الله- يصحُّ بغير علمه، فكذلك الحجر على العبد يصح بغير علم العبد، وبغير علم أهل السوق به؛ لأن الإذن عنده إنابة كالتوكيل وهذا؛ لأن الموْلَى يتصرَّف في خالص حقه فلا يتوقف تصرفه على علم الغير به، ولكنا نشترط علم أهل السوق لدفع الضرر والغرور عنهم؛ فإن الإذن عمَّ وانتشر فيهم، وهم يعاملونه بناء على ذلك، فلو صحَّ الحجر بغير علمهم تضرروا به؛ لأن العبد إن اكتسب شيئًا ربحًا أخذه الموْلَى، وإن لحقه دين أقام البينة إن كان قد حجر عليه، فتتأخر حقوقهم إلى ما بعد العتق، ولا ندري أَيُعْتَق أو لا، ومتى يُعْتَق، والموْلَى بتعميم الأذن (٢) يصير كالغارِّ لهم، فلِدفع الضرر والغرور قلنا: لا يثبت الحجر ما لم يعلموا به) كذا في «المبسوط» (٣) حتى لو حجر عليه في السوق وليس فيه إلا رجل أو رجلان لا ينحجر ولو بايعوه جاز؛ وإنْ بايعه الذي علم بحجره؛ وإنْ هذه للوصل يثبت بهذا الكلام عدم صحة الحجر الخاص، حتى أن الموْلَى إذا حجر عبده عند رجل أو رجلين لم يثبت الحجر في حق ذلك الرجل (٤) والرجلين أيضًا، كما لا يثبت في حق غيرهما، حتى إن ذلك الرجل لو باع مع هذا العبد الذي حجره مولاه عند هذا الرجل يجوز بيعه، كما كان يجوز قبل هذا الحجر؛ فعُلم بهذا أن من شرط صحة الحجر التعميم لا التخصيص (٥) (٦).

[[شرط صحة الحجر التعميم لا التخصيص]]

فإن قلتَ: فقد ذكر في الكتاب (٧) أن معنى اشتراط التعميم في الحجر هو دفع الضرر عن الناس بتأخر حقهم إلى ما بعد العتق، وكذلك ذكر في «المبسوط» (٨) معنى اشتراط التعميم في الحجر: هو دفع الضرر والغرور عن الناس على ما ذكرت، وهذا المعنى لا يتحقق في حق ذلك الرجل والرجلين، فإنهم لما علموا بحجر الموْلَى عبده لا يتعاملون مع هذا العبد الذي حجره (٩) مولاه عندهم فلا يصيرون مغرورين (١٠)، فلِمَ لا يصير العبد محجورًا في حق هؤلاء الذين كانوا حضورًا عند حجر الموْلَى عبده، مع انعدام هذا المعنى، وهو الغرور في حقهم، فينبغي أن يثبت الحجر في حقهم، وإن لم يثبت في حق غيرهم، كما في خطاب الشرع، حيث يثبت في حق من علم، ولا يثبت في حق من لم يعلم (١١).


(١) قال النووي: (وللشافعي فيه قولان، وظاهر النص أنه ينعزل علم أو لم يعلم، ومتى تصرف فبان أن تصرفه بعد عزله أو موت موكله فتصرفه باطل، لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه، فلا يفتقر إلى علمه كالطلاق والعتاق). المجموع (١٤/ ١٥٥)، وكذلك انظر: الحاوي الكبير (٦/ ٥١٢)، تحفة المحتاج (٥/ ٣٣٨)، نهاية المحتاج (٥/ ٥٣).
(٢) في (أ) (الأرب) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢٧).
(٣) للسرخسي (٢٥/ ٢٧).
(٤) سقطت في (ع).
(٥) انظر: الاختيار (٢/ ١٠٣)، البناية شرح الهداية (١١/ ١٥٢)، حاشية ابن عابدين (٦/ ١٦٦).
(٦) قال الموصلي: (وَالْمُعْتَبَرُ اشْتِهَارُ الْحَجْرِ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ الْإِذْنُ مَشْهُورًا; أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْإِذْنِ غَيْرُ الْعَبْدِ ثُمَّ عَلِمَ بِالْحَجْرِ انْحَجَرَ) الاختيار (٢/ ١٠٣).
(٧) انظر: الهداية (٤/ ٢٩٠).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢٧).
(٩) في (أ) (جحده) وما أثبت هو الصحيح.
(١٠) في (أ) (مغرورون) وما أثبت هو الصحيح.
(١١) انظر: الأسرار (١/ ٤١٢).