للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل فيما يكره (١):

والمكروه أدنى درجة في الفساد، ولكن هو شعبة من شعب الفاسد، فلذلك الحق المكروه بالفاسد، وأخَّر ذكرها.

[[ما يكره من بيوع النجش]]

النجش -بفتحتين- أن تتسام السلعة بأزيد من ثمنها وأنت لا تريد شراءها، بل ليراك الآخر فيقع فيه، وكذا في النكاح وغيره، منه الحديث: «نهى عن النجش» (٢)، ورواه بالسكون، «ولا تناجشوا» (٣) " أي: لا تفعلوا ذلك كذا في المغرب (٤).

وذكر في شرح الطحاوي (٥) في مسألة النجش، وهذا -أي النهي- فيما إذا طلب الراغب فيها من صاحبها بمثل ثمنها، وأما إذا كان الراغب فيها يطلب السلعة من صاحبها بدون ثمنها فزاد رجل في ثمنها إلى ما يبلغ قيمتها فلا بأس به (٦)، وإن لم يكن له رغبة في ذلك لا يسام (٧) الرجل على سوم غيره، هذا أنقى في معنى النهي، وهذا أبلغ، كما أن إخبار الشارع أبلغ في استدعاء الوجوب مع الآخر، وصورة السوم على سوم غيره هي ما ذكره في شرح الطحاوي، فقال: صورته أن يتساوم الرجلان على السلعة، والمشتري والبائع رضيا بذلك، ولم يعقد عقد البيع حتى دخل آخر على سومه، واشترى منه فإنه يجوز في الحكم ولكنه يكره،

وهذا إذا جنح (٨) قلب البائع (إلى البيع) (٩) من الأول بما يطلب منه من الثمن، وأمَّا إذا لم يجنح قلبه إليه ولم يرض بذلك فلا بأس للثاني أن يشتريه؛ لأن هذا بيع من يريد، وقد روى عن أنس (١٠) -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «باع قدحاً وحلساً ببيع من يزيد» (١١)، وكذلك الرجل إذا خطب امرأة وجنح (١٢) قلبها إليه يكره لغيره أن يخطبها، وإن لم يجنح قلبها إلى الأول فلا بأس لغيره أن يخطبها.


(١) في (ب).
(٢) أخرجه البخاري من حديث نافع عن عبدالله ابن عمر بلفظه، كتاب الحيل، باب ما يكره من التناجش، رقم (٦٩٦٣)، (٩/ ٢٤)، ومسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سومه، وتحريم النجش، وتحريم التصرية، رقم (١٣ - ١٥١٦)، (٣/ ١١٥٦).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً»، كتاب الأدب، باب "يأيها الذين ءامنوا اجتبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا " [الحجرات: ١٢]، رقم (٦٠٦٦)، (٨/ ١٩)، ومسلم، كتاب االبر والصلة والأدب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، رقم (٣٠ - ٢٥٦٣)، (٤/ ١٩٨٥).
(٤) المغرب (ص: ٤٥٦).
(٥) بدائع الصنائع (٥/ ٢٣٣).
(٦) سقط من (ب).
(٧) "يستام" في (ب) و (ج).
(٨) "أي مال" في (أ).
(٩) في (ب) وهي في هامش (أ).
(١٠) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد النجاري الخزرجي الأنصاري، أبو ثمامة، أو أبو حمزة: صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخادمه. ولد بالمدينة، وأسلم صغيراً، وخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن قبض. روى عن النبي وأبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم. يعد من مفسري الصحابة الذين ليس لهم تصانيف. رحل إلى دمشق بعد وفاة النبى -صلى الله عليه وسلم- ومنها إلى البصرة، فكان آخر من مات فيها من الصحابة. روى عنه رجال الحديث ٢٢٨٦ حديثاً. تهذيب التهذيب (١/ ٣٧٦)، تاريخ الطبري (١١/ ٦٧٤)، التاريخ الكبير (٢/ ٢٧)، المتفق والمفترق (١/ ١٢٠).
(١١) أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، رقم (١١٩٦٨)، والنسائي في سننه، كتاب البيوع، باب البيع فيمن يزيد، رقم (٤٥٠٨)، (٧/ ٢٥٩).
(١٢) "مال" في (أ).