للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وقيل: الأولى هو الأوَّل عند حاجة الغانمين؛ كما فعل النَّبي -عليه الصلاة والسلام- بِخَيبَر (١) فإنَّه كان عند حاجة المسلمين، والثَّاني عند عدم الحاجة؛ كما فعل عمر بسواد العراق.

[[المن في العقار]]

(وهذا في العقار (٢) أي: إقرار أهل بَلَد على بَلَدهم بالمنِّ عليهم.

(أمَّا في المنقول المجرَّد، لا يجوز المنُّ بالرد عليهم).

يقال: "منَّ عليه مَنّا" أي: أنعم. وذَكَر في التَّيسير (٣) في قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} [محمد: ٤] أي: فإمَّا أنْتَمنُّوا بعد ذلك بالإطلاق مجانًا. ثم هاهنا معنى المنِّ في المنقول هوأنْ يَدفَع لهم مجانًا، ويُنْعِم به عليهم (٤)؛ وإنَّما قيّد بقوله "المجرَّد" لأنَّه يجوز المنُّ عليهم في المنقول بطريق التَّبعية بالعقار، وذلك في قوله بعد هذا: (وإنْ منَّ عليهم بالرّقاب والأراضي يَدفع إليهم من المنقولات بِقَدر ما يتهيأ لهم العمل).

قوله: (وفي العقار خلاف الشافعي -رحمه الله- (٥) لأنَّ في المَنِّ … إلى أنْقال (٦): والحُجَّة عليه) مِن تعليل الشَّافعي. والدَّليل على هذا ما ذَكَره في المبسوطوالإيضاح (٧) بمثل هذا، والتَّعليل في طرف الشافعي، فذكر فيالمبسوط: "فالشافعي يقول: قد تأكَّد حقُّ الغانمين في الأراضي، أَمَّا عندي، فقد ثبت الملك لهم بنفس الإصابة، وعندكم تأكَّد الحقُّ بالإحراز، فَقَد صارت مُحرَزة بفتح البلدة وإجراء أحكام الإسلام فيها، وفي المنِّ إبطال حقِّ الغانمينعما


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم (٤٢٣٦) ٥/ ١٣٨، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه، قال: "لولا آخر المسلمين، ما فتحت عليهم قرية إلاقسمتها، كما قسم النَّبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر".
(٢) العقار: عند العرب النخل، ثم كثر استعمالهم ذلك، حتى ذهبوا به إلى متاع البيت.
وقال الأصمعي: العقار: الأرض والمنزل والضياع. الزاهر في معاني كلمات الناس (٢/ ٤٦).
(٣) التيسير في التفسير، لنجم الدين، أبي حفص: عمر بن محمد النسفيالحنفي، المتوفى: بسمرقندسنة ٥٣٧ هـ، وحقق جزء من الكتاب في رسائل دكتوراه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والمخطوط في مكتبة أحمد الثالث برقم (١٧٥٦) ويوجد له نسخة على شكل مايكرو فيلم في جامعة الملك عبدالعزيز.
(٤) ينظر تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٣/ ٣٢٢)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (١٨/ ٢٠٤)، روح المعانى (١٣/ ١٩٨).
(٥) اختلف الفقهاء في الأرض المفتوحة عنوة، فذهب الحنفية إلى أنّ الإمام مخير بين قسمتها وبين إقرار أهلها عليها ووضع الجزية عليهم وعلى أراضيهم الخراج، وإذا بقيت في أيدي أهلها فقال الحنفية: هي مملوكة لهم يجوز بيعهم لها وتصرفهم فيها. ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ١٦).
والمعتمد عند المالكية أن هذه الأرض تكون وقفا على المسلمين، لا يجوز التصرففيها ببيع أو غيره ويصرفخراجها في مصالح المسلمين، إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض. الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ٤٧٨).
وقال الشافعية: تقسم الأرض المفتوحة عنوة بين الغانمين إلا أن يطيبوا نفسا بتركها فتوقف على مصالح المسلمين، والصحيح عندهم أن سواد العراق قسم بين الغانمين ثم بذلوه لعمر -رضي الله عنه- ووقف على المسلمين وصار خراجه أجرة تؤدى كل سنة لمصالح المسلمين، وليس لأهل السواد الذين أقرت الأرض في أيديهم بيعها أو رهنها أو هبتها لكونها صارت وقفا. ينظر روضة الطالبين وعمدة المفتين (١٠/ ٢٧٥)، الوسيط في المذهب (٤/ ٥٤٢).
وقال الحنابلة: الإمام مخيّر بين قسمة هذه الأرض على الغانمين فتملك بالقسمة، ولا خراج عليها وبين وقفها للمسلمين فيمتنع بيعها ونحوه، ويضرب الإمام بعد وقفها خراجا مستمرا يؤخذ ممن هي في يده من مسلم ومعاهد يكون أجرة لها. الكافي في فقه الإمام أحمد (٤/ ١٦٠).
(٦) وتمام كلامه: (إبطال حقّ الغانمين أو ملكهم فلا يجوز من غير بدل يعادله والخراج غير معادل لقلته بخلاف الرقاب لأن للإمام أنْ يبطل حقهم رأسًا بالقتل). الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٨٤).
(٧) كتاب الإيضاح لأبي الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني المتوفى سنة ٥٤٣ هـ، وهو شرح لكتاب التجريد للمؤلف نفسه. معجم المؤلفين (٥/ ١٧٢)، وكتاب التجريد حقق في جامعة أم القرى، أما كتاب الإيضاح فهو مخطوط، ولم أقف عليه.