للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ (١) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطِ الْجَفَافَ (٢)

[طُرقِ تَطهيرُ الثَّوْبِ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (لِأَنَّ الثَّوْبَ لِتَخَلْخُلِهِ (٣) يَتَدَاخَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ) (٤)

أَيْ: لِفِرَجٍ خِلَالِهِ، وَقَوْلُهُمْ: أَجْزَاءُ الثَّوْبِ مُتَخِلْخِلَةٌ (٥): أَيْ فِي خِلَالِهَا فِرَجٍ، لِرَخَاوَتِهَا، وَكَوْنِهَا مُجَوَّفَةٌ، غَيْرَ مُكْتَنِزَةٍ، كَذَا فِي "المغرب" (٦).

[[طهارة المني]]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (أَجْزَأَهُ (٧) فِيهِ الْفَرْكُ) (٨) هَذَا جَوَابُ الاسْتِحْسَانِ (٩)، وَالْقِيَاسُ، أَنْ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُصْبِحُ ثَخِينًا؛ فَهُوَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّمِ، لَا يَطْهُرُ إلا بِالْغُسْلِ، لَكِنِ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا (١٠)، فَقَالُوا: يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ (١١). وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: (إِنْ كَانَ الْمَنِيُّ غَلِيظًا، فَجَفَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغُسْلِ، … وَقَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمَنِيُّ ثَوْبًا ذَا طَاقَيْنِ؛ فَالطَّاقُ الْأَعْلَى يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَالْأَسْفَل، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصِيبُهُ الْبَلَّةُ دُونَ الْجُرْمِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ؛ فَإِنَّ الْفَحْلَ، لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِي (١٢)، وَالَمَذْيُ (١٣) -بِالتَّخْفِيفِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْمَذْيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ مَغْلُوبًا، مُسْتَهْلَكًا، بَالْمَنِيِّ، فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمَنِيِّ؛ دُونَ الْمَذْيِ) (١٤).


(١) محمد بن الفضل: هو: الإمام، العلامة، شيخ الحنفية، مفتي بخارى، شمس الأئمة، أبو الفضل بكر بن محمد بن علي بن الفضل الأنصاري، الخزرجي، السلمي، الجابري، البخاري، الزرنجري، كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، مولده: سنة سبع وعشرين وأربع مائة، ومات: في تاسع عشر شعبان، … سنة ٥١٢ هـ. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي: (٤/ ٢٠٥)، سير أعلام النبلاء للذهبي (١٩/ ٤١٥)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (١/ ١٧٣).
(٢) انظر: "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٠٣).
(٣) في (ب): (لتخلله) والمثبت في المتن هو الصحيح، ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٦).
(٤) تعليل لقول صاحب الهداية: (والثوب لا يجزي فيه إلا الغسل وإن يبس لأنَّ الثوب لتخلخله يتداخله كثير من أجزاء النجاسة فلا يخرجها إلا الغسل). ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٦).
(٥) في (ب): (متخللة)، والمثبت في المتن هو الصحيح، ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (١/ ٢٧٠).
(٦) ينظر: " المغرب في ترتيب المعرب" للمطرزي (١/ ٢٧٠).
(٧) في (ب): (أجزاءه). وهو خطأ
(٨) ما بين القوسين من كلام صاحب الهداية حيث يقول: (والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا، فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك لقوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- " فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا ".
وقال الشافعي -رحمه الله- المني طاهر والحجة عليه ما رويناه وقال -صلى الله عليه وسلم-: إنما يغسل الثوب من خمس وذكر منها المني ولو أصاب البدن.
قال مشايخنا -رحمهم الله-: يطهر بالفرك لأنَّ البلوى فيه أشد وعن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه لا يطهر إلا بالغسل لأنَّ حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم والبدن لا يمكن فركه).
ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٦ - ٣٧).
(٩) معنى الاستحسان عند الأحناف: قال الدبوسي -رحمه الله-: فالاستحسان هو اعتقاد حسن الشيء. يقال: استحسنت كذا أي: اعتقدته حسنا، واستقبحت كذا أي: اعتقدته كذلك، ومحل ظن بعض الفقهاء أن من قال بالاستحسان قد ترك القياس والحجة الشرعية باستحسانه تركها من غير دليل يطلق وطعن بهذا على علمائنا) انظر: " قواطع الأدلة في الأصول" للدبوسي (٢/ ٢٦٨).
والخلاصة: أنه إذا أطلق الحنفية الاستحسان أرادوا به القياس الخفي، وإذا أطلقوا القياس أرادوا به القياس الجلي، فالاستحسان عندهم هو أحد القياسين لا أنه يكون قسماً آخر اخترعوه بالتشهي من غير دليل. فاستعملوا عبارة القياس والاستحسان للتمييز بين الدليلين المتعارضين، وخصوا أحدهما بالاستحسان لكون العمل به مستحسناً، ولكونه مائلاً عن سنن القياس الظاهر، فسموه بهذا الاسم لوجود معنى الاسم فيه
(١٠) في (ب): (أصحابنا)؛ المثبت بالمتن هو الصحيح. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٨١).
(١١) وجه الاستحسان قوله: -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها- «فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا» وهو حجة على الشافعي -رحمه الله- في جعله طاهرًا مستدلًا بحديث ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: «المني كالمخاط فأمطه عنك ولو بإذخرة» ينظر: "الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ١٩٧).
(١٢) في (ب): (يمني حين يمذي).
(١٣) المذيِّ: بفتح الميم وسكون الذال المعجمة: وهو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند ملاعبة النساء أو تذكر الجماع أو إرادته، لسان العرب لابن منظور: (١٥/ ٢٧٤)
(١٤) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٨١ - ٨٢).