للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ حُجَّةُ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله- فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ (١) -رضي الله عنه- قَالَ: «الْمَنِيُّ كَالْمُخَاطِ، فَأَمِطْهُ عَنْكَ وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ» (٢)، وَلِأَنَّهُ أَصْلُ خِلْقَةٍ لِلْآدَمِيِّ (٣)، فَكَانَ طَاهِرًا كَالتُّرَابِ؛ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، خُلِقُوا مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ (٤).

وَلَنَا قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله عنه- (٥): «إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ (٦)، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْقَيْءِ» (٧) فَالاسْتِدْلَالُ بِهِ، أَنَّهُ أَمَرَهُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ، مِنَ الْمَنِيِّ، بِكَلِمَةِ: إِنَّمَا، وَهِيَ لِإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَإِثْبَاتُ الْمَذْكُورِ بِنَفْيِ مَا عَدَاهُ؛ يَدُلُّ عَلَى التَّحْقِيقِ لَا عَلَى النَّدْبِ.


(١) ابن عباس: هو الصحابي الجليل: عَبْد اللَّه بن عَبَّاس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أَبُو الْعَبَّاس الْقُرَشِيّ الهاشمي. ابْنُ عم رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كني بابنه الْعَبَّاس، وهو أكبر ولده، وأمه لبابة الكبرى بِنْت الحارث بن حزن الهلالية. وهو ابن خالة خالد بن الوليد، وكان يسمى البحر، لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، كان له عند موت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عشرة سنة. مات سنة ٧٠ هـ وهو بالطائف، وقال أبو نعيم: مات سنة ٦٨ هـ، التاريخ الكبير للبخاري (٥/ ٣)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١/ ٥٢٢) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (٤/ ١٢١)، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٣/ ١٨٦).
(٢) أخرجه الترمذي في "سننه" (١/ ٢٠١) أبواب "الطهارة"، باب "غسل المني من الثوب" حديث رقم (١١٧).
قال الدارقطني في "سننه" (١/ ٢٢٥): لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظه شيء، وقال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٢١/ ٣٣٤): ثابتة عن ابن عباس وقبله سعد بن أبي وقاص وأما رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنكر باطل لا أصل له لأنَّ الناس كلهم رووه عن شريك موقوفًا.
(٣) في (ب): (الآدمي).
(٤) ينظر: "الأم للشافعي ": (١/ ٥٥ - ٥٦).
(٥) عَمَّارُ بن يَاسِرِ بن عامر بن مالك بن كنانة بن قَيْس بن الحصين بن الوذيم بن ثَعْلَبَة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس، وكان عمّار يكنى أَبَا اليقظان، مولى بني مخزوم شهد بدرا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستعمله عُمَر بن الخطاب عَلَى الكوفة، قتل يوم صفين، قال أبو حفص بن علي سمعت أبا عاصم يقول قتل عمار بن ياسر وهو ابن ثلاث وتسعين سنة. انظر: الطبقات الكبرى لإبن سعد (٣/ ١٨٦)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (٤/ ٢٠٧٠)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (١/ ٤٨٧)، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (٤/ ١٢٢).
(٦) الغائط: هو المطمئن من الأرض الواسع، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة: الغائط .. لأن العادة أن الحاجة تقضى في المنخفض من الأرض حيث هو أسَترُ له، ثم قيل للبراز نفسه، وهو الحدث: غائط كنايه عنه إذا كان سببا له انظر: النهاية: (٣/ ٣٩٥)، لسان العرب لابن منظور: (٧/ ٣٦٥) أي المراد المجاز وهو قضاء الحاجة، لا عين المجيء من المكان المطمئن من الأرض.
(٧) تقدم تخريجه (ص: ٩٢).