للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الذبح والسلخ زيادة في الشاة]]

(وكذا إذا قطع يدهما) أي: يد الشاة والجزور (هذا هو ظاهر الرواية (١)، وبهذا احترز عن رواية الحسن عن أبي حنيفة (٢) -رحمهما الله- (أنه لا يُضمِّنه شيئًا) أي: في ذبح الشاة؛ لأن الذبح والسلخ في الشاة زيادة على ما ذكرنا (٣)، هذه الرواية في أول هذا الفصل بتمامها (٤)، ولو كانت الدابة (٥) غير مأكول اللحم كالحمار فقَطَع الغاصب طرفها فللمالك أن يُضمِّنه جميع قيمتها؛ وفي تقييد هذه الرواية في حق هذا الحكم بكون الدابة غير مأكول اللحم ليست زيادة فائدة؛ لِمَا (٦) أن هذا الحكم مستحبٌّ (٧) في مأكول اللحم وغير مأكول اللحم؛ وذلك لأنه أثبت الولاية للمالك في تضمين جميع القيمة فيمن ذبح شاة بقوله (ومن ذبح شاة غيره) بغير أمره (فمالكها بالخيار إن شاء ضمنه قيمتها).

[[عدم تخصيص غير مأكولة اللحم بتضمين جميع القيمة]]

ثم قال: (وكذا الجزور) ثم عطف عليه قوله (وكذا إذا قطع يدهما) فعُلم بهذا أن في قطع يد الشاة والجزور تضمين جميع/ القيمة، فلم تكن الدابة التي هي غير مأكولة اللحم مخصوصة بتضمين جميع القيمة بقطع الطرف منها، هكذا أيضًا ذكر في «المبسوط» (٨) لكن يَحتمل أن يكون مُراده نفي اختيار المالك بين تضمين قيمتها وبين إمساك الجثة (٩)، وتضمين نقصانها كما هو الثابت في ذبح شاة غيره بغير إذنه (١٠)؛ لأنه ذكر في «المبسوط» (١١) مثل هذا مع إطلاق لفظ الدابة فقال: (وأما الدابة إذا غصبها فقطع يدها أو رجلها، فلصاحبها أن يُضَمِّن الغاصب قيمتها)، ثم قال: (وكذلك لو كانت بقرة أو جزورًا فقطع يدها أو رجلها، أو كانت شاة فذبحها) فقد أثبت حكم تضمين جميع القيمة في قطع طرف مأكول اللحم من البقرة والجزور أيضًا كما ترى، ولكن عطفهما على الدابة؛ فعُلم بهذا أن المراد من الدابة الفرس (١٢) والبغل (١٣) والحمار، وذكر اختيار المالك في قطع طرف الحمار أيضًا في صورة مخصوصة في «الذخيرة» (١٤) و «المغني» (١٥) فقال: وفي المنتقى (١٦) (١٧) هشام عن محمد-رحمهما الله- رجل قطع يد حمار أو رجله، وكان لِمَا بقي قيمةٌ فله أن يُمسك، ويأخذ النقصان، ثم قال: فإن ذبح حمارَ إنسانٍ ذَبْحًا (١٨)، فقال: صاحبه أنَّي أُضمِّنه النقصان، ولا أُسلِّم الجلد إليه؛ فإن كان لجلد الحمار ثمن فله ذلك، وإن قَبِلَه فليس له ذلك، قال هشام (١٩) -رحمه الله-: لأن ذبحه بمنزلة الدِّباغ؛ وفي «النوادر» (٢٠) وإذا قَطَع أُذُن الدابة يَضمن (٢١) النقصان، وجَعَل قطع الإذن من الدابة نقصانًا يسيرًا، وكذلك لو قطع ذنبها يضمن النقصان، وعن شريح (٢٢) (٢٣) - رحمه الله-إن قطع ذنب حمار القاضي يضمن جميع القيمة، وإن كان لغيره يضمن النقصان.


(١) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٣٦)، بدائع الصنائع (٧/ ١٥٨)، الاختيار (٣/ ٦٣).
(٢) المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٦)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤٠).
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٦)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩).
(٤) راجع، ص ().
(٥) الدابَّةُ: لَفْظٌ عامٌّ لكلِّ مَا يدبُّ على الأرْضِ، وخُصّ فِي العُرْفِ بذَواتِ الأَرْبَع ثمَّ ببعضِها. تاج العروس مادة (ب ر ذ ن) (٣٤/ ٢٤٦).
(٦) سقطت في (أ).
(٧) المستحب: هو ما يمدح المكلف على فعله، ولا يذم على تركه. كشف الأسرار (٢/ ٣٠٣)، البحر المحيط (١/ ٣٧٨)، تيسير التحرير (١/ ١٨١).
(٨) انظر: المبسوط للسرخسي (١١/ ٨٦)
(٩) الْجُثَّةُ: الْجَسَد. المعجم الوسيط (١/ ١٠٦).
(١٠) انظر: الاختيار (٣/ ٦٣)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤١)، الجوهرة النيرة (١/ ٣٤١).
(١١) للسرخسي (١١/ ٨٦).
(١٢) الفَرَس: يقع على الذكر والأنثى، ولا يقال: للأنثى (فرسة). الصحاح مادة (ف ر س) (٣/ ٩٥٧)، موسوعة الطير والحيوان (ص: ١٧٣).
(١٣) البغل: هو المولد من بين الحمار والفرس، وهو مركب من الفرس والحمار، ولذلك صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل. تاج العروس مادة (ب غ ل) (٢٨/ ٩٦). حياة الحيوان الكبرى (١/ ٢٠٠).
(١٤) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، فتاوى قاض خان (٣/ ١٠٨).
(١٥) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، العناية شرح الهداية (٩/ ٣٤١)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٨).
(١٦) المنتقى: تأليف الحاكم الشهيد أبي الفضل محمد بن محمد المقتول شهيدًا في (٣٤٤ هـ)، يقال إنه انتقاه من كتب محمد بن الحسن الشيباني، قال صاحب الكشف: ولا يوجد المنتقى في هذه الأعصار. انظر: كشف الظنون (٢/ ١٨٥١)، الطبقات السنية (١/ ٤٥)، الفوائد البهية (٣٠٥).
(١٧) انظر: عيون المسائل (ص: ٢٨١)، المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، مجمع الأنهر (٢/ ٤٦٢).
(١٨) يعني: إذا قصد قتله. البناية شرح الهداية (١٣/ ٨٣).
(١٩) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٩).
(٢٠) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، البحر الرائق (٨/ ١٣٢).
(٢١) في (ع): (يلزم) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩).
(٢٢) هو: شريح بن الحارث بن قيس، أبو أمية الكندي، قاضي الكوفة، وقد تولى القضاء لعمر، وعثمان، وعلي، ثم عزله علي، ثم ولاه معاوية، ثم استقل في القضاء إلى أن مات، وقيل: إنه مكث قاضيًا نحو سبعين، توفي بالكوفة سنة ٧٨ هـ. انظر: وفيات الأعيان (٢/ ٤٦٠)، تهذيب الكمال (١٢/ ٣٩٨)، سير أعلام النبلاء (٤/ ١٠٠)، البداية والنهاية (١٢/ ٢٨١).
(٢٣) انظر: المحيط البرهاني (٥/ ٤٦٩)، البناية شرح الهداية (١١/ ٢١٩).