للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: -رحمه الله- وَقِيلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ (١)، وإنّما قيّد بالوجوب لأنّه إذا بعث الخف والملاءة كان له أن يحتسب من المهر لأنّ ذلك لا يجب عليه.

قوله: وغيره كَمَتَاعِ الْبَيْتِ وفي فتاوى الظهيريّة وههنا مسألة عجيبة وهي أنّه لا يجب على الزّوج خفها ويجب عليه خف أمتها لأنّها منهية عن الخروج دون أمتها.

[فصل في أحكام النكاح في الكفّار]

فصل

لما ذكر أحكام النكاح في حق المسلمين وهم الأصول في الشّرائع ذكر من هو تبع لهم في المعاملات ومن المعاملات أحكام النكاح في الكفّار.

ثم اعلم أنّ كل نكاح يجوز فيما بين المسلمين فهو جائز فيما بين أهل الذمّة لأنّهم يعتقدون جوازه.

ونحن نعتقد ذلك في حقهم أيضاً فإن النبي -عليه السلام- قال: «بُعِثْتُ إلَى الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد» (٢) وخطاب الواحد خطاب الجماعة فما يوافقوننا في اعتقاده يكون ثابتاً في حقّهم فأمّا ما لا يجوز بين المسلمين فهو أنواع منها النكاح بغير شهود فإنّه جاز بين أهل الذمّة يقرّون عليه إذا أسلموا عندنا خلافاً لزفر -رحمه الله- على ما يجيء بعد هذا ثمّ قوله وذلك في دينهم جائز من صورة المسألة فإن جواب المسألة قوله فليس لها مهر.

قوله: -رحمه الله- فَلَيْسَ لَهَا مهر (٣) يعني وإن أسلما كذا في الْمَبْسُوطِ (٤).

وأمّا في الذمية فلها مهر مثلها إن [دخل بها] (٥) أو مات عنها إلى آخره إلا أنّ أهل الذمّة لا يتعرض لهم ما لم يسلموا أو يرفع أحدهما الأمر إلى القاضي كذا في الْمَبْسُوطِ (٦)، وهذا الشرع وقع عاما وهو قوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (٧) فكان الكافر مخاطباً (٨) أيضاً بإبتغاء النكاح بالمال إذا أراد النكاح لأنّهم التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (٩)، ووجوب مهر المثل في النكاح عند نفي المهر من أحكام الاسلام فيظهر في حقّهم كما ظهر حكم الربا وحكم الزنا ولأنّ الابضاع تارة يتناول بالسّفاح وطوراً بالنكاح ثم تناولها بالسّفاح دية إيجاب العقر فيكون تناولها النكاح جهة في إيجاب العقر ولأَبِي حَنِيفَةَ -رحمه الله- أنّ أهل الذمة لا يلتزمون أحكامنا في الديانات كالصّلاة والصّوم وفيما يعتقدون خلافه في المعاملات كبيع الخمر والخنزير والربا مستثنى عن عقودهم قال الله تعالى: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (١٠) بيّن أنّه كان حرامًا في دينهم.


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥٠٥).
(٢) رواه أحمد (٤/ ٤١٦)، برقم (١٩٧٥٠). قال الهيثمى (٨/ ٢٥٨): رواه أحمد متصلاً ومرسلاً، والطبرانى ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (٦/ ٣٠٤، رقم ٣١٦٤٥).
(٣) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٦٤).
(٤) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٣٨).
(٥) ساقط من (ب).
(٦) يُنْظَر: الْمَبْسُوطِ (٥/ ٤١).
(٧) سورة النساء من الآية: ٢٤.
(٨) يقول ابن اللحام الحنبلي: "الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعًا ونقله القرافي وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد رحمه الله تعالى وقاله الشافعى أيضا واختاره أكثر أصحابنا وأصحاب الشافعى والرازي والكرخي وجماعة من الحنفية وبعض المالكية وجمهور الأشعرية والمعتزلة. وعن أحمد رواية لا يخاطبون بالأوامر ويخاطبون بالنواهى وهو الذي قاله القاضى أبو يعلى في مقدمة المجرد. وحكى بعض أصحابنا رواية أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع الأوامر والنواهى وقاله بعض الحنفية. وحكى القرافي عن الملخص للقاضى عبد الوهاب أن المرتد مكلف بالفروع دون الأصل". انظر: القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية (ص ٧٦).
(٩) سورة المائدة من الآية: ٤٩.
(١٠) سورة النساء من الآية: ١٦١.