للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل في غصب ما لا يتقوَّم

لما فَرَغَ من بيان (١) أحكام غصب ما يتقوم، وهو الأصل؛ لأن الغصب بحدِّه الذي ذكرنا (٢) إنما يتحقق فيه شَرعَ في بيان أحكام غصب ما لا يتقوم، باعتبار عَرَضِيَّةِ أن يصير متقومًا، إما باعتبار ديانة المغصوب منه بأنه متقوّم، أو بتغيُّره في نفسه إلى التَّقوم (٣).

[[إتلاف خمر المسلم والذمي]]

قوله: (وعلى هذا الخلاف إذا أتلفها ذمي (٤) على (٥) ذمي) فحاصل الأقسام في هذه المسألة على أربعة أوجه: وهي إتلاف المسلم خمرَ المسلم، والذميِّ خمرَ المسلم، والذميِّ خمر الذمي، والمسلمِ خمر الذمي؛ ففي الأوليين لا ضمان على المُتْلِف بالإجماع (٦)، وفي الآخَرَين على المتْلِف الضمان عندنا (٧) (٨) خلافًا للشافعي (٩) (١٠) فإن عنده لا (١١) ضمان في إتلاف الخمر في جميع الصور، أما عدمُ الضمان في إتلاف المسلم خمر المسلم فظاهر؛ لأنهما دانا على ألا يُقوَّم للخمر، والضمان يتبع التقوم.

[[لا ضمان على الذمي إذا أتلف خمر المسلم]]

وأما في إتلاف الذمي خمر المسلم فليس على المتلِف الضمان، وإن كان يعتقد التقوم؛ لما أن الضمان حق المتْلَف عليه، واعتقاده على عدم التقوم كان بمنزلة الإبراء للمِتْلِف عن الضمان، وذكر في «المبسوط» (١٢): (وحُجتنا في ذلك قول عمر -رضي الله عنه- حين سأل عُمَّاله: «ماذا تصنعون بما يمرّ به أهل الذمة من الخمور، فقالوا: نُعشِّرها، فقال: لا تفعلوا، ولو همَّ ببيعها، وخذوا العُشْر من أثمانها (١٣) فقد جعلها مالًا متقومًا في حقهم، حيث جوّز بيعها، وأمر بأخذ العُشر من الثمن)، ونحن أُمرنا بأن نتركهم وما يدينون.


(١) سقطت في (ع).
(٢) وهو: إزالة المال عن يد المالك بإثبات اليد عليه.
(٣) انظر: فتح القدير (٩/ ٣٥٨).
(٤) الذِّميُّ: المعاهد من الكفار؛ لأنه أومن على ماله ودمه بالجزية. انظر: المغرب مادة (ذ م م) (ص: ١٧٦).
(٥) في (أ): زيادة (مال) وما أثبت هو الصحيح. انظر: الهداية (٤/ ٣٠٥).
(٦) وبه قال مالك. انظر: تبيين الحقائق (٥/ ٢٣٣)، البناية (١١/ ٢٥٢)، الدر المختار (ص: ٦١٩)، الذخيرة للقرافي (٣/ ٤٥٧)، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (٣/ ٤٤٧).
(٧) انظر: المبسوط للشيباني (١٢/ ١٤٦)، شرح الطحاوي للجصاص (٣/ ٣٣٢)، بدائع الصنائع (٧/ ١٤٧).
(٨) وبه قال مالك. انظر: الإشراف (٢/ ٦٣١)، الذخيرة للقرافي (٣/ ٤٥٧).
(٩) انظر: الحاوي الكبير (٧/ ٢٢١)، مغني المحتاج (٣/ ٣٥١)، تحفة المحتاج (٦/ ٢٧)، نهاية المحتاج (٥/ ١٦٧).
(١٠) وبقول الشافعي قال أحمد. انظر: المغني (٥/ ٢٢٢)، الشرح الكبير (٥/ ٣٧٦).
(١١) في (أ): (إلا).
(١٢) للسرخسي (١١/ ١٠٢).
(١٣) رواه عبدالرزاق في مصنفه: كتاب أهل الكتاب، أخذ الجزية من الخمر (٦/ ٢٣) رقم (٩٨٨٦) بلفظ: (بلغ عمر بن الخطاب أن عماله، يأخذون الجزية من الخمر، فناشدهم ثلاثًا، فقال بلال: إنهم ليفعلون ذلك قال: «فلا تفعلوا، ولكن ولوهم بيعها، فإن اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها»، ورواه كذلك أبو عبيد: كتاب سنن الفيء، والخمس، والصدقة، وهي الأموال التي تليها الأئمة للرعي، باب أخذ الجزية من الخمر والخنزير (١/ ٦٢) برقم (١٢٨) قال ابن حجر: (في إسناده إبراهيم بن عبد الأعلى). انظر: الدراية (٢/ ١٦٢).