للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا شرطُهُ (١): فثلاثةُ أنواعٍ: شرطُ نَفْسِ الوجوبِ، وهو: الإسلامُ، والعقلُ، والبلوغُ، وشرطُ وُجوبِ الأداءِ (٢)، وهو: الصِّحةُ، والإقامةُ، وشرط صِحَّةِ الأداءِ (٣)، وهو: صلاحيةُ المُؤَدِى بالقُدرةِ، والتمييزِ، والطهارةِ عمَّا يمنعهُ، والوقتُ العاملُ له، والنيةُ.

وأمَّا رُكنهُ: فالكفُّ عنهُ بالمفطراتِ منْ أوَّلِ النهارِ إلى آخرِهِ (٤).

[حُكُمُ الصِّيَام]

وأمّا حُكْمُهُ: فسقوطَ الواجبِ عن ذمتهِ في الدنيا، ونيلُ الثوابِ في الآخرةِ، ثُمَّ جوازُ الصَّوْم إنما اختصَّ بالنهارِ دوَن الليالي شَرْعاً ومعنىً، أمّا الشرعُ: فقولهُ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} إلى قوله: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٥) حيثُ أمرَ اللهُ تعالى بالكفِّ عنِ المفطراتِ الثلاثِ في النهارِ، وأمّا المعنى: فهو أنَّ صومَ الوِصالِ (٦) غيُر ممُكنِ؛ لأنَّ الآدميَّ لا يحيى بدونِ الأكلِ على ما عليهِ جبلتُهُ (٧)، فلابُدَّ مِنْ أنْ يعيّنِ بعضَ الزمانِ للصومِ، وبعضَهُ للفِطْرِ، والقِسمةُ منْ حيثُ الساعاتِ مُتعذرةٌ؛ لأنُه لا يُوقَفُ عليها إِلاَّ بحرج، فوجبتْ القِسمةُ بالأيامِ والليالي، والأيامُ للأَكْلِ عادةً، والليالي للنومِ عادةً، مكانُ تعيينِ النهارِ للصومِ، وأنُه مخالِفٌ للعادةِ أولى مِن تعيينِ الليالي، فإنَّ أصلَ بِناءِ العبادةِ على مخُالفةِ العادةِ (٨)، كذا في المَبْسُوطين (٩).

[[صوم النذر]]

قولُهُ -رحمه الله- (١٠): الصَّوْم ضربان: ذَكَرَ التقسيمَ قبلَ التجديدِ؛ لِيسْهُلَ أمرُ التجديدِ، والمنذوُر واجبٌ لِقولهِ تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (١١) (١٢)، فإنْ قِيلَ: هذه الآيةُ تقتضي/ فرضيةَ المنذورِ لِثبوتِهِ بالْكِتَابِ بالأمرِ فصارَ كصومِ رمضانَ، ولأنهُ عاهدَ اللهَ فيجبُ أنْ يكونَ الوفاءُ فرضاً لقولهِ تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (١٣) ألا تَرى أنَّهُ ذمَّ مَنْ تركَ الوفاءَ بالعهدِ في قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} (١٤) قلنا: نعم، كذلك إِلاَّ أنُه قد خَصَّ منهُ بالإتفاقِ (١٥) المنذورَ الذي ليسَ مِنْ جنسٍ واجبٍ شرعاً كعيادةِ المريضِ، أو ما هو ليسَ بمقصودٍ في العبادةِ كالنذرِ بالوضوءِ لِكُلِّ صلاةٍ، والنذرُ بالمعصيةِ، فلما خُصَّتْ هذه المواضعُ بقي الباقي حُجةً مجوزةً لا مُوجبةً قطعاً كالآيةِ المؤلةِ، وخبرِ الواحدِ، والقياسِ، فيثبتُ الوجوبُ بمثلهِ لا الفرضِ، وكُلُّ يومٍ سببُ وُجوبِ صومهِ؛ لأنّ مجيءَ كل يومِ سَبُبُ لِوُجوبِ صومِ ذلك اليومِ؛ لأنّ] صيام (١٦) رمضانَ بمنزلةِ عباداتٍ متفرقةٍ؛ لأنهُ يحُلِّلُ بينَ كُلِّ يومين زمانٌ لا يصلحُ للصومِ لا قضاءً، ولا أداءً، وهو اللِيالي، فصارَ كالصلواتِ، ثُمَّ المعتبرُ هاهنا في الوجوبِ أولُ الوقتِ، وهو أولُ اليومِ؛ لأنَّ الصَّوْم يتأَدَّى بجميعِ اليومِ، فتكونُ العِبْرةُ في الوجوبِ لبعضِ الوقتِ لا لجميعِ الوقتِ، فلو قلنا: هاهنا بأنهُ يَحِلُّ التأخيرُ عن أولِ الوقتِ، وهو أولُ اليومِ فيكونُ هذا تفويتاً لا تأخيرَ،، أو في الصَّلَاةِ يكون تأخيراً لا تفويتاً، والتأخيرُ مُباحٌ، والتفويتُ حرام (١٧)، كذا في مبسوطِ شيخِ الإسلامِ (١٨).


(١) الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٧٦)، فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٠٢).
(٢) المصدران السابقان.
(٣) يُنْظَر: الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٧٧)، تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٣).
(٤) يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة: (١/ ١٩٥)، والْبَحْرِ الرَّائِق: (٢/ ٢٧٧).
(٥) سورة البقرة الآية (١٨٧).
(٦) صوم الوصال: أن يصوم أياماً لا يفطر فيهن ليلاً أو نهاراً. يُنْظَر: الفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة (١/ ٢٠١).
(٧) قال الأَصمعي جِبْلَته أَي خِلْقته. يُنْظَر: لسان العرب (١١/ ٩٦).
(٨) يُنْظَر: تبيين الحقائق (١/ ٣١٣).
(٩) يُنْظَر: المَبْسُوط للسَّرَخْسِي (٣/ ٩٧).
(١٠) هو صاحب الهِدَايَة -رحمه الله-. يُنْظَر: الهِدَايَة (١/ ١١٨).
(١١) يُنْظَر: تَبْيِينُ الْحَقَائِق (١/ ٣١٣)، الْبَحْرُ الرَّائِق (٢/ ٢٧٦).
(١٢) سورة الحج الآية (٢٩).
(١٣) سورة النحل الآية (٩١).
(١٤) سورة التوبة الآية (٧٥).
(١٥) يُنْظَر: فَتْحُ الْقَدِيرِ (٢/ ٣٠٠)، البناية (٣/ ٦٠٠).
(١٦) في (ب) (صوم).
(١٧) رَوَاهُ الْبَيْهَقِي في معرفة السنن والآثار (٨٥٣٧ - ٦/ ٢٢٧)، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (٥/ ٤٣٩): رواته كلهم ثقات، وقد روي أيضًا موقوفًا على عائشة.
(١٨) بحثت عنه في المَبْسُوط ولم أجده وكذلك في الجامع الصغير وقد أشادر إليه في المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١٠٨).