للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: ليس هذا كما أخذوا عبدًا في دارنا؛ لأنَّهم لا يملكونه بالأخذ حتَّى يستحق عليهم الإزالة بسبب الاستيلاء؛ وإنَّما يملكونه بالإحراز بخلاف ما نحن فيه؛ فإنَّهم ملكوه بالشراء، فاستحقّ عليهم الإزالة بالبيع ما داموا في دارنا. ولما أدخلوه في دارهم استحق الإزالة أيضًا بإقامة شرط الزوال مقام الإزالة على ما ذكرنا من انتهاءِ عصمة ماله بالإحراز بدار الحرب.

وذكر في المبسوط: "فإنْ قيل: بارتفاع الأمان زال صفة الحظْر لا أصل الملك؛ كمن أباح لغيره شيئًا لا يزول أصل ملكه به، فملكه المباح في دار الحرب إبقاءُ ما كان من الملك له لا إثبات ملك له فيه ابتداء.

قلنا: ما كان ملكه بعد إسلام العبد في دار الإسلام إلا باعتبار صفة الحَظر، فإنَّه لو لم يكن مستأمنًا لكان العبد المسلم قاهرًا له وكان حرًّا، فإذا زال الحظْر بزوال الأمان زال أصل الملك، أَلا ترى أنَّه في دار الحرب لو قَتَل مولاه، وأخذَ ماله، وخرج إلينا؛ كان حُرًّا، وكان ما خرج به من المال له" (١).

قوله: (ولأنَّه أَحرز نفسه بالخروج إلينا) يتَّصل بقوله: (ثمُّ خرج إلينا).

وقوله: (أو بالالتحاق) يتَّصِل بقوله: (أو ظُهِر على الدار).

وقيَّد بقوله: بالخروج إلينا (مُراغمًا (٢) لمولاه)؛ لأنَّه إذا خرج إلينا غير مراغِم، فهو عبدٌ لمولاه يبيعه الإمام، ويقِف ثمنه للمولى؛ لأنَّه لم يخرج على سبيل التغلُّب، فصار كمال الحربي الذي دخل به مستأمنًا إلى دارنا (٣)؛ كذا في الإيضاح. والله أعلم (٤).

باب: المستأمن (٥).

لما ذكر مسائل الاستيلاء، والذي هو عبارة عن القَهر والغَلَبة؛ أعقبه باب المستأمِن؛ لأنَّ الاستئمان إنَّما يُحتاج إليه بعد تحقق القَهر والغلبة، فقدَّم استئمان المسلم على استئمان الكافر؛ لأنَّ المسلم هو المقدَّم فكذا ما يتعلق به.


(١) المبسوط للسرخسي (١٠/ ٩٠).
(٢) مُرَاغَمًا: أَيْ مُغَاضَبًا مُنَابَذًا وَالْمُرَاغَمُ بِالْفَتْحِ الْمَذْهَبُ وَالْمَهْرَبُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا} [النساء: ١٠٠]. طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية (ص: ٤٤).
(٣) ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ١٥ - ١٦).
(٤) في (ب) "أعلم بالصواب".
(٥) المُستأمِن: من الاستئمان، وهو طلب الأمان من العدو حربيًا كان أو مسلمًا. أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء (ص: ٦٦)، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (١/ ٣٢٧).