للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّهُ، أي الإعتاق، مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ؛ لأن الإعتاق منه للملك، فجاز أن يكون الإعتاق حكم للملك؛ لأن الملك والإعتاق كليهما مشروعًا به بخلاف الإيلاء منهن بأن قال: والله لا أقربكن، فإنّه إذا لم يقربهن حتى مضت أربعة أشهر طلقن جميعًا، وأمّا إذا قرب الكل قبل مضي المدّة يجب عليه كفارة واحدة؛ لأن ذِكْرُ الِاسْمِ أي اسم الله لم يتعدد لأنّه قال والله لا أقربكن مرَّةً واحدة والله أعلم.

[فصل في الكفارة]

لما ذكر حكم الظهار، وهو حرمة الوطء ودواعيه إلى نهايته ذكر في هذا الفصل ما ينهي تلك الحرمة وهو الكفارة.

قوله -رحمه الله-: (وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ)، أي إعتاق رقبة فإن العتق لا ينوب عن الكفارة.

ألا ترى أنّه لو ورث إياه ونوى الكفارة لا يخرج عن عهدتها.

قوله -رحمه الله-: كَذَا فِي الْإِطْعَامِ، اعلم أن عطف الإطعام على الإعتاق والصيام إنّما يصح في حق لزوم التقديم على المسيس (١)، لا في الاستيناف فإن الإطعام في لزوم التقديم على المسيس نظير الإعتاق والصوم لا في حق الاستيناف على ما يجيء، ويجزي في العتق الرقبة الكافرة، وعند بعض المشايخ لا يجوز إعتاق المرتد (٢) عن الكفّارة؛ لأنّه بالردّة صار حربيًّا، ولهذا حلّ قتله فصرف الكفّارة إلى الحربي لا تجوز، وأمّا المرتدة فيجوز بلا خلاف.

ويجزي الرضيع ولا يجزي الجنين والمريض الذي في حدّ مرض الموت لا يجوز، وإذا كان يرجى ويخاف عليه يجوز كذا في «المحيط» (٣).

قوله -رحمه الله-: إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ الْمَرْقُوقِة الْمَمْلُوكِة مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فقوله: من كلّ وجه، متعلّق بالمرقوقة دون المملوكة؛ لأنّ الرق الكامل شرط ولهذا لو أعتق المدبّر عن الكفّارة لا تصح.

ولو أعتق المكاتب الذي لم يردّ شيئاً يصح، ويقع عن الكفارة ونحن نقول: المنصوص عليه إعتاق الرقبة، وقد تحقّق ذلك بإعتاق الكافرة، ولا يقال: بين صفة الكفر والإيمان تضاد، فإذا جوّزنا المؤمنة انتفت الكافرة.


(١) المسيس: اللمس. قال الجوهري: وأصل اللمس باليد، ثم استعير للجماع؛ لأنه مستلزم للمس غالبًا، وكذا استعير للأخذ والضرب والجنون. ينظر: (المطلع على ألفاظ المقنع ص ٤٢٢).
(٢) المرتد لغة: الراجع يقال: ارتد مرتد: إذا رجع، والمرتد شرعًا: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر. ينظر: (المطلع على ألفاظ المقنع ص ٤٦٢).
(٣) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٤٣٤).