للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: هذا لا يجوزلأنَّ القتال فَرض كفاية والجزية فَرض عين. قلنا: إنَّ القتال في الأصل واجب على كلِّ إنسانٍ منَّا لكنَّه وَجَب للذَّب عَن الدَّار وكسر شوكة الكفَّار، فإذا حَصَل ذلك بالبَعْض سقط عن الآخرين، وهذا كالسعي، واجبٌ على كل مسلم إلى صلاة الجمعة، فإنْ حمله إنسانٌ كرهًا إلى المسجد سقط عنه ذلك؛ لأنَّه وَجب لإمكان الجمعة، وقد حصل بدون فِعله، فكذلك الجهاد حتَّى إذا لم يحصل ذلك لزِم على كلِّ إنسان ذلك.

"فإن قيل: النُّصرة طاعة لله تعالى، وهذه عُقوبة فَكيف تكون العُقوبة خَلَفًا عن الطاعة؟ قلنا: إنَّ الخَلَفية عن النُّصرة في حقِّ المسلمين لما فيه من زيادة القوَّة للمسلمين، وهم يُثابون على تلك الزِّيادة الحاصلة بسبب أموالهم بمنزلة ما لَو أعاروا دوابَّهم للمسلمين" (١)؛ كذا في الأسرار.

[[بيان من تؤخذ منهم الجزية]]

(وما رواه محمول على أنَّه كان صُلحًا) والدَّليل على ذلك أنَّه أمر بالأخذ من النِّساء، والجزية لا تَجب على النساء (٢)؛ كذا في المبسوط.

(وتُوضع الجزية على أهل الكتاب) أطلق أهل الكتاب ولم يقيِّد بأنَّهم من الَعجم أو من العَرب ليتناول الفَريقين كلَّهم، فإنَّ وضع الجزية على أهل الكتاب من العرب جائز بخلاف المشركين/ مِن العرب على ما يجيء بيانه، إِنْ شاء الله تعالى.

(وعبدة الأوثان من العجم) بالجَرِّ عطفًا (٣) على أهل الكتاب؛ وإنما قيَّد بقوله: (من العجم) احترازًا (٤) عن عبَدة الأوثان من العَرب، فإنَّه لا يوضع عليهم الجزية على (٥) ما ذكر في الكتاب، ثُمَّ قيَّد فيه بأنْ لا يوضع على عَبَدة الأوثان مِن العرب احترازًا (٦) عن أهل الكتاب من العَرَب، فإنَّه يوضع عليهم.

(وفيه خلاف الشافعي)، وخلافه فيمن يُوضع عليه الجزية، وفيمَن يسترقّ، فكان خلافُه ههنا في موضِعَينِ. أمَّا فيمن يُوضع ففي عَبَدة الأوثان مِن العَجَم، فعندنا يوضع عليهم الجزية، وعنده لا يوضَع عليهم الجزية، بل يسترقَّون (٧). وأمَّا فيمن يسترقُّ فعندنا لا يسترقُّ مشركوا العرب وعنده يسترقون (٨).


(١) العناية شرح الهداية (٦/ ٤٧).
(٢) ينظر المبسوط للسرخسي (١٠/ ٧٩).
(٣) في (أ) "العطف"، والصّحيح ما أثبته. ينظر العناية شرح الهداية (٦/ ٤٨).
(٤) في (ب) "احتراز".
(٥) ينظر بداية المبتدي (ص: ١٢١).
(٦) في (ب) "احتراز".
(٧) فعنده: لا تؤخذ إلّا من أهل الكتاب عربًا كانوا، أو عجمًا، ويلتحق بهم المجوس للآية في أهل الكتاب، وللحديث في أهل المجوس، وأمَّا عبدة الأوثان ونحوهم، فلا يقرون بالجزية سواء العربي، أو العجمي. ينظر الأم للشافعي (٤/ ١٨٤)، الحاوي الكبير (١٤/ ١٥٥)، نهاية المطلب في دراية المذهب (١٨/ ٩).
(٨) ينظر المجموع شرح المهذب (١٩/ ٣١٢).