للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاصله أنهُ جَعَلَ الدَّوَامَ عَلَى اللَّبَاثِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ الِابْتِدَائِيِّ. وجه الظّاهر أنّ الجماع إدخال الفرج في الفرج ولا دوام للإدخال، ولما لم يكن له الدّوام لم يجعل الدّوام على الإدخال بمنزلة الإدخال الابتدائي، فلم يجب العقر فيما إذا لم يخرجه ثمّ يدخله، والجماع في الأصل عبارة عن الموافقة والمساعدة في أي شيء كان، فإن محمّدًا -رحمه الله- كثيراً ما يقول في كتاب الحج على أهل المدينة ألستم قد جامعتمونا في كذا أي وافقتمونا.

وحكي عن الطّحاوي -رحمه الله- أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي عَلَى ابْنَتِهِ مَسَائِلَ يَقُولُ فِي إمْلَائِهِ أَلَسْنَا قَدْ جَامَعْنَاكُمْ عَلَى كَذَا، أَوَلَسْتُمْ قَدْ جَامَعْتُمُونَا عَلَى كَذَا، فَتَبَسَّمَتْ ابْنَتُهُ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ مَا شَأْنُك؟ فَتَبَسَّمَتْ مَرَّةً أُخْرَى، فَأَحَسَّ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى الْجِمَاعِ الْمَعْرُوفِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَالَ أَوَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا فَاحْتَرَقَ غَضَبًا، وَقَطَعَ الْإِمْلَاءَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا أُرِيدُ حَيَاةً بَعْدَ هَذَا فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ كذا في «الفوائد الظهيرية» (١)، لوجود المساس مع أن هذا له حكم دوام الجماع -عند أبي يوسف- كيلا يمنع مانع فأمّا دوام المساس فموجود بالإجماع (٢) والله أعلم.

فصل في الاستثناء (٣)

الحق بالتّعليق فصل الاستثناء؛ لأنّهما جميعًا من بيان التغير، ولأنّ الشّرط يمنع كلّ الكلام، والاستثناء يمنع بعض الكلام، والجزء يتبع الكلّ، ثم ذكر أولاً في هذا الفصل من مسائل الاستثناء مسألة إنشاء الله تعالى لقربها ومشابهتها بمسائل ما قبل الفصل من مسائل التّعليق بوجهين:

أحدهما: وجود حرف الشّرط منهما، والثّاني منع موجب كلّ الكلام، الاستثناء: استفعال، من الثني وهو الصّرف، يقال: شئت الشيء عطفته، ثم المناسبة بين قوله: إنشاء الله وبين الاستثناء من حيث أن كلّ واحد منهما يمنع أول الكلام أو هو اسم توقيفي، قال الله تعالى: {وَلَا يَسْتَثْنُونَ} (٤)، ثم اختلفوا في أن قوله: إنشاء الله بعد ذكْرِ الْجُمَلِ لِلْإِبْطَالِ أَوْ لِلتَّعْلِيقِ؛ ذكر ذلك في باب الاستثناء من إقرار هذا الكتاب، فقال: لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ أَوْ تَعْلِيقٌ، أي: إبطال على قول أبي يوسف (٥)، وتعليق على قول محمّد (٦)، وثمرة الاختلاف تظهر في مواضع: أحدها: أنّه إذا قدم المشيئة، فقال: إن شاء الله أنت طالق، عند أبي يوسف (٧) -رحمه الله- لا يقع الطّلاق؛ لأنّه إبطال، فيبطل الطّلاق سواء قدم أو أخّر، بخلاف الفاء أو بغيره.


(١) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٣٨).
(٢) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٣٨).
(٣) الاستثناء: أن يقول لامرأته أنت طالق إن شاء الله تعالى متصلاً. انظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٤٣٢).
(٤) [القلم: ١٨].
(٥) العناية شرح الهداية (٤/ ١٣٦).
(٦) العناية شرح الهداية (٤/ ١٣٦).
(٧) العناية شرح الهداية (٤/ ١٣٦).