للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنّهما حكمان مستفادان من ملك النكاح، وهو أنّه لو قال: لها إن دخلت الدّار فأنت عليّ كظهر أمي، ثم طلقها ثلاثاً، ثم عادت إليه بعد زوج يكون مظاهراً منها إذا دخلت الدّار، وكذلك لو طلّقها ثنتين في مسألة اليمين، ثمّ عادت إليه بعد زوج آخر فدخلت الدّار، تطلق ثلاثاً ما الفرق بين هذه المسائل؟.

قلت: أمّا الأوّل فإنّ العبد بصفة الرّق كان محلاً للعتق، وبالبيع لم يفت تلك الصفة حتّى لو فاتت بالعتق لم يبق اليمين، وأمّا الثّاني فلأن محلتّه الطّهار لا ينعدم بالتّطليقات الثّلاث؛ لأن الحرمة بالظّهار غير الحرمة بالطّلاق، فإن تلك الحرمة حرمة إلى وجود التّكفير، وهذه حرمة إلى وجود ما يرفعها، وهو الزّوج الثّاني، إلا أنّها لو دخلت الدّار بعد التطليقات الثلاث إنّما يصير مظاهراً؛ لأنّه لا حل بينهما في الحال والظّهار تشبيه المحلية بالمحرمة، وذلك يوجد بعد التزوّج بها إذا دخلت الدّار.

وأمّا الثّالث فإنّها إنّما تطلق ثلاثاً عند دخول الدّار؛ لأنّ المحلّ باق بعد الثنتين فإنّ المحليّة باعتبار صفّة المحلّ، وهي قايمة بعد الثنتين فيبقى اليمين، وعلى هذا لو قال: أنت طالق كلمّا حضت حيضة فبانت بثلاث، ثم لو عادت إليه بعد زوج لم يقع عليها شيء إن حاضت، إلا على قول زفر، وكذلك إن أتى منها فبانت بالإيلاء، ثمّ تزوّجها فبانت أيضاً، حتّى بانت بثلاث، ثم تزوّجها بعد زوج لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بِهَذَا الْإِيلَاءِ طَلَاقٌ، إلا على قول زفر (١) -رحمه الله- ولكن إن قربها كفر يمينه؛ لأنّ اليمين نافية فإنّ انْعِقَادَهَا وَبَقَاءَهَا لَا يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحِلِّ، فَإِذَا قَرُبَهَا، تَحَقَّقَ حِنْثُهُ فِي الْيَمِينِ، فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ-كذا في «المبسوط» (٢) -وقد فات، أي الجزاء المملوك، وَإِنْ لَبِثَ سَاعَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، يريد به العقر، أي عندهما، خلافاً لأبي يوسف -رحمه الله- وإن أخرجه ثمّ أدخله وجب عليه المهر، أي بالإجماع (٣).

(وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (٤) رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْمَهْرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ). أي: فيما إذا لم يخرجه، لوجود الاستمتاع في غير الملك.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٤).
(٢) ينظر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٥).
(٣) ينظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٢٠٢).
(٤) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ١٣٤)، ومجمع الضمانات (ص: ٤٤٩).