للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّما يظهر ثمرة الاختلاف فيما إذا علق الطّلقة الواحدة بدخول الدّار، ثم نجزها طلقتين وتزوّجت بزوج آخر، فعادت إلى الأوّل، ودخلت الدّار، تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (١)، لِعَدَمِ الْهَدْمِ، وَعِنْدَهُمَا لا يثبت لتحقّق الهدم قَدْ بَقِيَ حَتَّى وُقُوعِهَا فَتَبْقَى الْيَمِينُ، أي: بنكاحها ثانياً بعد تزوّجها بزوج آخر، ولنا أنّ الجزاء طلقات هذا الملك؛ لأنّ المطلق يتقيد بدلالة الحل، فينصرف هذا الطّلاق إلى الطّلقات المملوكة، لا الطّلقات المستحدثة بعد التزوّج بزوج آخر؛ لأنّ الطّلقات الثّلاث تابعة لها عن دخول الدّار، فلا يتحقّق بزوج الثاني ولا العود إلى الأوّل ثانياً، فيكون المراد من إطلاق الطّلاق هو الطّلقات المملوكة من حيث الظّاهر، أو لأنّها لما تزوّجت بزوج آخر فالظّاهر أنّها لا تعود إلى الأوّل ثانياً، لما أنّ الزّوج الأوّل أتى بمكروه طبعها، وهو الطّلقات] الثّلاث فائتة جازاه بشيء هو مكروه طبع الزّوج، وهو يحلّل الزّوج الثّاني فإذا كان كذلك لا يوجد ملك الطّلاق المستحدثة (٢) ظاهراً، فلا يكون لذلك مراد الزّوج الطلقات المستحدثة، فتعيّن لإطلاقه الطلقات المملوكة، وقد انتهى ذلك بإرساله الثلاث.

وذكر في «المبسوط» وحجّتنا في ذلك أن انعقاد هذه اليمين باعتبار التّطليقات المملوكة، فإن اليمين بالطّلاق لا ينعقد إلا في الملك، أو مضافة إلى الملك، ولم يوجد الإضافة ههنا، فكان انعقادها باعتبار التّطليقات المملوكة، وهي محصورة بالثّلاث، وقد أوقع كلّه والكلّ من كلّ شيء لا يتصوّر بعدده، فعرفنا أنّه لم يبق شيء من الجزاء المتعلّق بالشّرط طلاقاً كان أو غيره (٣)، والطريق المعتمد أن يقول بوقوع الثلاث عليها خرجت من أن يكون محلاً للطّلاق؛ لأنّ الطّلاق مشروع لرفع الحل، وقد ارتفع الحلّ بالتّطليقات الثّلاث، وفوت محلّ الجزاء يبطل اليمين كفوت محلّ الشّرط بأن قال: إن دخلت هذه الدّار، ثم جعل الدّار بستاناً أو حمّامًا لا يبقى اليمين فهذا مثله.

فإن قلت: يشكل هذا بما إذا قال لعبده: إن دخلت الدّار فأنت حر، ثم باعه، ثم اشتراه، فدخل الدّار يعتق، مع أنّه بالبيع لم يبق العبد محلاً ليمينه، وكذلك بقيت هذه المرأة لحكم النكاح في حقّ الظّهار بعد الثلاث، فتبقى في حقّ الطّلاق أيضاً.


(١) ينظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (١/ ٤٢٥).
(٢) سقط من (ب).
(٣) يُنْظَر: المبسوط للسرخسي (٦/ ٩٤).