للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(أَمَّا القَطْعُ وَالقَتْلُ قِصَاصاً يَجْتَمِعَانِ (١) وهذا؛ لأنَّ العمد يبتني على التَّغليظ والتَّشديد ولهذا يقتل العشرة بالواحد وفي مراعاة صورة الفعل معنى التغليظ أيضاً فيجوز اعتبار ذلك في العمد بخلاف الخطأ فإنه مبني على التخفيف.

ألا ترى أن الدية لا تتعدَّدُ بتعدُّدِ القاتلين، ثم في العمد المقصود هو الانتقام والتَّشفي وفي التمكين من القطع والقتل جميعًا زيادة تحقيق في هذا المقصود، وكما أن القتل بعد القطع يكون إتماماً للفعل الأول من وجه فقد يكون قطعًا لموجب الفعل بمنزلة البرء من حيث أنَّ المحل يفوت به ولا تَصَوُّر للسِّراية بعد فوات المحل فيجعل كالبرء من هذا الوجه فلا ضمان (٢) أثبتنا الخيار للولي تغليظاً لحكم العمد ولا يعتبر ذلك في الخطأ؛ لأنَّه مبني على التَّخفيف كذا في المبسوط في باب الشَّهادة في القصاص (٣).

فإن قيل: هذا التَّعليل يبطل بمن قطع أصبع رجل ثمَّ قطع الكف قبل البرء فإنه يلزمه قصاص في الكف دون الأصابع (٤) وقد زال (٥) كفه بفعلين.

قلنا: لأن الجمع بينهما غير ممكن، لأنَّا متى فصلنا قطع الكفِّ عن قطع الأصبع لم يجب القصاص فإنها قطعت وهي ناقصة الطرف وكف القاطع كاملة فاعتُبِرا لهذه الضرورة بجناية واحدة وإن كان فيه لغو الأصبع؛ لأنَّها أهون من الكف؛ ولأنَّ القصاص في الطرف لا يصير أعداداً بأعداد القاطعين كجماعة (٦) قطعوا يد واحد (٧) فكذلك عدد القطع من واحد بخلاف النّفس كذا في الأسرار (٨).

[[سريان الجراحة]]

(وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلاً مَائَةَ سَوطٍ فَبَرَأَ مِن تِسْعِينَ وَمَاتَ مِن عَشَرَةٍ (٩) معنى هذا: ضربه تسعين في موضع وعشرة في موضع آخر فبرأ موضع التِّسعين وسرى موضع العشرة (وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ (١٠) أي: لا تبقى معتبرة أصلاً، لا في حق الأرش ولا في حق حكومة العدل، وإنما تبقى في حق التعزير لا غير، هذا على قول أبي حنيفة -رحمه الله- وأمَّا على قول (أَبِي يُوسُفَ -رحمه الله-: حُكُومَةُ عَدْلٍ (١١) وعلى قول (مُحَمَّد: تَجِبُ) عليه (أُجْرَةُ الطَّبِيْبِ (١٢) ومثل هذه المسألة مع هذا الاختلاف ودليلها (١٣) يأتي قُبَيل فصل الجنين من هذا الكتاب وتفسير حكومة العدل [مذكور] (١٤) في آخر فصل الشِّجاج من هذا الكتاب (١٥).


(١) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧٠).
(٢) وفي (ب) (فللاحتمال)، وهي الصواب لموافقتها سياق الكلام، وهي عبارة السَّرَخْسِيِّ في المبسوط (٢٦/ ١٧٠).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسَّرَخْسِيِّ (٢٦/ ١٦٩، ١٧٠).
(٤) وفي (ب) (الأصبع).
(٥) وفي (ب) (أزال).
(٦) وفي (ب) (لجماعة).
(٧) وفي (ب) (يدا واحدة).
(٨) يُنْظَر: بدائع الصنائع (٧/ ٣٠١).
(٩) بداية المبتدي (٢٤٢).
(١٠) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧٠).
(١١) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧٠).
(١٢) الهداية شرح البداية (٤/ ١٧٠).
(١٣) وفي (ب) (دليلهما).
(١٤) سقط في (ب).
(١٥) يُنْظَر: الجامع الصغير (٥٠٤)، تحفة الفقهاء (٣/ ١١٣)، بدائع الصنائع (٧/ ٣٢٤)، الهداية شرح البداية (٤/ ١٧٠).