للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(لأن التَّقَوُّمَ يُؤذِن بجبر الفائت) لأنَّ الفائت في ذوات الأمثال يُجبر بالصُّورة والمعنى، وفي ذوات القِيَم يُجبَر بالمعنى، وهو القيمة، وذلك لا يكون إلا في المال، فكان التَّقَوُّمَ في المال أصلًا، والعصمة المقَوَّمة في الأموال تثبت بالدار، وكذلك في النفوس والمرتدّ، والمستأمِن. هذا جواب شُبهةٍ تَرِدُ على قوله: (ثم العصمة المُقَوَّمة بالإحراز بالدَّار … ) إلى آخره، بأنْ يقال: إنّهما مُحرزان بدار الإسلام ذاتًا، فينبغي أنْ يجِب لهما التَّقَوُّمَ ولم يجب حتَّى أنَّ في قتلهما لا يجب الدِّية مع أنَّهما في دار الإسلام.

(ومعنى قوله: للإمام أنّ حقّ الأخذ له) لا أَنْ تكون الدِّية ملكًا له، بل نأخُذها ونضعها في بيت المال.

[قتل المسلم عمدًا]

(وإنْ كان عمدًا فإنْ شاء الإمام قتلَه) وأَمَّا إذا كان المقْتول لَقيطًا، كان لِلإمام أنْيقتُل قاتلَه في قول أبي حنيفة ومحمد. وقال أبو يوسف -رحمه الله-: ليس له ذلك (١) لأنَّ المولود في دار الإسلام لا يخلو عن الوارث، فَلَو أثبتنا الولايةَ للإمام كان فيه احتمال إثبات الحقِّ لغير صاحب الحقِّ، والقِصاص يمتنع بالشّبهات. ولهما أنَّ الحقَّ إنَّما يثبت للولي بطريق القيام مقامَ الميت نظرًا للميت، والمجهول الذي لا يمكِن الوصول إليه لا يُنتفع به الميت فلا يصلحوليًا (٢)، فكان وجودُه بمنزلة العدم (٣)؛ كذا ذكره الإمام قاضي خان -رحمه الله-.

قوله: (وهو العامَّة أو السُّلطان).

فإنْ قيل: تردُّد من له ولاية القصاصِ يوجب/ سقوط القصاص كما في المكاتَب إذا قُتِل عن وفاء وله وارث.

قُلنا: الإمام ههنا نائبٌ عن العامّة فصار كأن (٤) الولي واحدٌ بخلاف مسألة المكاتب، والله أعلم بالصواب (٥).

[باب: العشر والخراج]

لما ذَكر فيما قبل ما يصير الكافر به (٦) ذمِّيًا، ذكر في هذا الباب ما يجِب على الذِّمي من الوظائف المالية، وهو الخراج؛ لكنْ لما ذكر الخراج استدعى ذلك ذِكر العُشر لأنَّ سببها الأرض النَّامية، فكان ذِكر الخراج هو الأصل إلَّا أَنَّه قدَّم ذكر العُشر عليه لأنَّ فيه معنى القُربة، وهو أيضًا من وظائف المسلمين، فكان هو بالتَّقديم (٧) أحقَّ على الخراج.


(١) ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣١٥).
(٢) في (أ) "ولنا"، والصحيح ما أثبته. ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٧١).
(٣) ينظر بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (٧/ ٢٤٥)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٧١).
(٤) في (أ) "كان"، ولعل ما في (ب) هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.
(٥) ساقط من (ب).
(٦) ساقط من (ب).
(٧) في (ب) "التقدم".