للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى هذا أشار أيضًا في الإيضاح، وقال: فهذه (١) الآية سيقت (٢) لبيان أنواع القتل وموجباته، فذكر قتل المسلم في دار الإسلام وأَوجب بقتله الدِّية والكفَّارة، وذكر قتل الذِّمي وأوجب فيه الدِّية والكفَّارة، وذَكر المسلم الذي لم يهاجِر إلينا وأوجَب بقتله الكفَّارة، ولم يوجِب الدَّية، فدَلَّ على انعدام الوجوب؛ لأنَّ الآية سيقت (٣) لبيان الحكم الواجب؛ فمتى جعلنا الدِّية واجبةولا ذِكر لها في الكتاب، كَان قاصرًا في البيان، وإنَّه لا يجوز. والفقه فيه أنَّ الأصل في التقوُّم غير الآدمي، والآدمي في هذا المعنى ملحَق بالأموال بخلاف العصمة؛ فإنَّ العصمة إنَّما تثبت للآدمي بطريق الأصالة، والأموال تابعةٌ لهلأنَّ معنى الجَبر يتحقَّق في الأموال دون النُّفوس، فصارت النُّفوس ملحَقةً بها في التقوُّم. وإذا كان كذلك، والتقوُّم للأموال إنَّما يثبت بالإحراز لأنَّ التقوُّم يبنى عن خطر المحل والخطر إنما يثبت إذا كان ممنوعًا عن الأخذ، فأمَّا إذا كانت الأيدي تصِل إليه مِن غير منازعة لم يكن خطيرًا كالماء والتراب، فعلَّقنا التقوُّم بالإحراز بمنعه، وأسقطْنا حكم الإحراز بمنعِه أهل الحرب بالشرعلأن الشَّرع سلَّطَنا على إبطالها، فلم (٤) يَثبت التقوُّم بالإحراز (٥)، قلنا: الإحراز لم يوجد ههنا فلا يثبت التقوُّم.

فأمَّا الإسلام فلا يؤثِّر في إفادة العِصمة المقوِّمةلأنَّ الدِّين ما وضع لاكتساب الدُّنيا وإنَّما وضع لاكتساب الآخرة، وأمَّا الكفارة فتَجِب بالنصَّ (٦).

قوله: (والقيامبها) أَي: بأعباء التَّكاليف (٧) أي: بأثقاله (٨) جمع عِبء، بالكسر، وهو الحَمل. فهذا يقتضي (٩) أنْ يكون الآدمي مُحَرَّم التعرُّض إذ لو لم يكن مُحَرَّم التَّعرض لا يتمَكَّن من إقامة التّكليف، (والأموال تابعة لها) أي: للنَّفس الَّتي تثبت العِصمة المؤثمة فيها.


(١) في (ب) "وهذه".
(٢) ساقط من (ب).
(٣) في (أ) "سبقت"، ولعل مافي (ب) هو الصحيح لموافقته سياق الكلام.
(٤) في (ب) "فلما".
(٥) ينظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (٣/ ٢٦٨)، البناية شرح الهداية (٧/ ٢١٦).
(٦) النص هو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٩٢)} [النساء: ٩٢].
(٧) في (أ) "باعتبار التكليف"، والصحيح ماأثبته. ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٢١٥).
(٨) في (أ) "بإقالة"، والصحيح ما أثبته. ينظر البناية شرح الهداية (٧/ ٢١٥).
(٩) في (ب) "القبض".