للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وهو ما ذكرنا) وهو قوله: (ولأنَّه مالٌ مأخوذٌ بقوَّة المسلمين لما قلنا من قَبْل) أي: في "باب الغنائم وقسمتها" وهو قوله: (وزوجتُه فَيء لأنَّها كافرةٌ حَربية لا تَتْبعه في الإسلام) وكذا حَمْلها فَيء؛ لأنَّه جزؤُها منها فيُرَقّ بِرقِّها.

(وما كان من مال أودَعَه مسلمًا أو ذمّيًا: فهو له) وإنَّما قيّد بالإيداعلأنَّه إذا كان غَصبًا في أيديهما يكون فَيئًا لعَدَم النِّيابة. وعند أبي يوسف ومحمدٍ يجب أنْ لا يكون فيئًا إلَّا ما كان غَصبًا عند حَربي على قياس الفَصل الثالث، وهو أنْ يُسلِم الحربي في دار الحرب فَلَم يخرج حتَّى ظُهِر على الدَّار؛ فالجواب (١) أنَّما كان وديعةً عند حربي أو غصبًا عند مسلم أو ذمِّي أو ضائعًا، فهو فَيء عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمدٌ: لا يكون فَيئًا (٢)؛ كذا في الجامع الصَّغير لفخر الإسلام، وقد ذكرناه بـ"باب (٣) الغنائم".

(لكونه مستجْلَبًا للكَرامة) لأنَّ العصمة تَثبتُ نعمةً وكرامةً، فيتعلَّق بماله أَثَر في استحقاق الكرامات، وهو الإسلام، إذ به يحصل السَّعادة الأبديَّة، لا بالدَّار التي هي جماد، فلا أَثَر لها في استحقاق الكَرامة.

(لِحصول أصلِ الزَّجر بها (٤) أَي: لوجوب الزَّجر الَّذي هو الكفَّارة بالعصمة المؤثِّمة بالاتِّفاق (٥).

(والمقوّمة كمال (٦) فيه) أي: في أصل العصمة، وذلك لأنَّه إذا وَجَب الإثم والمال كان ذلك أكملَ وأتمَّ مِن الذي وَجَب فيه الإثمُ دون المال، فكانت العصمة المقوَّمة وصفًا زائدًا على أصل العِصمة الَّتي هي المؤثمة.

(فتتعلَّق بما علّق به الأصل) أي: تُعلّق العِصمة المقوّمة كما (٧) عُلّق به العصمة المؤثِّمة، وهو الإسلام. فلمَّا عُلِّقت المؤثِّمة بالإسلام، فينبغي أْن تُعلَّق العِصمة المقوّمة أيضًا بالإسلام، فيجب الدِّية والكفارة في قَتل الحربي الذي أَسلم في دار الحرب، ولَم يهاِجر إلينا لذلك.

(رجوعًا إلى حَرف الفاء) يعني: أنَّ الفاء دخَلت في جزاء الشَّرط، ثمَّ الجزاء إنَّما يكون جزاء للشَّرط أنْ لَو كان كُلُّ الجزاءِ مذكورًالأنَّه لا يكون غير المذكور جزاءً له حتَّى أنَّ الرَّجُل إذا قال لامراته: إنْ دخلتِ الدَّار فَأَنتِ طالق، وعَبدي حُرٌّ كان الجزاء طلاقها، وعِتق عَبده. ولَو لم يَقُل قولَه: وعبدي حُرٌ، لا يكون عِتق العبد الَّذي هو غير مذكور جزاءً له، بل الجزاء ينحصِر على طلاق المرأة، فإنَّ الشرط يعلَّق به الموجود لا المعدوم، كما في التعليق الحسي. فكذلك ههنا/ يتعلَّق بقتل هذا المؤمن الذي لم يهاجِر إلينا ما هو المذكور، والمذكور هو تَحرير الرقبة لا غير، فَيجب أنْ يكون كلُّ الجزاء ذلك أَو رجوعًا إلى (كل المذكور (٨)، ههنا التّحرير لا غير. والموضع موضع الحاجة إلى البيانلأنَّه شرع في بيان الواجِب واقتصر بذكر التّحرير، فعُلِم به أنَّ الواجب هو التَّحرير لا غير، إذ السُّكوت في موضِع الحاجة إلى البيان بيانٌ؛ فإنَّما هو المذكور كلُّ الواجب وإلا يلزم الإخلال في بيان صاحب الشرع، وهو لا يجوز. وكان شيخي يقول: "بيان الشّارع على نوعين: بيان كفاية وبيان نهاية، فاختار ههنا بيان النهاية (٩) لأنَّه ذكر أولًا حُكم قتل المؤمن الذي في دار الإسلام خطًا بأنَّه الكفارة والدِّية، ثمَّ قتل المؤمن الذي لم يهاجِر إلينا كحُكْمِهما، فَذكر فيه الكفارة دون الدِّية، ثم ذَكَر قَتل الذِّمي، وأوجب فيه الكفارة والدِّية فلو كان حكم المؤمن الذي لم يهاجر إلينا كحُكْمهما (١٠) لما ذَكَر حكمَه على خلاف حكمِهما في الموضع الذي اختار بيان النهاية".


(١) في (ب) "فالجواب فيه".
(٢) ينظر الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: ٣١٦).
(٣) في (ب) "في باب".
(٤) ساقط من (ب).
(٥) العناية شرح الهداية (٦/ ٢٨)، البناية شرح الهداية (٧/ ٢١٤)، فتح القدير (٦/ ٢٧).
(٦) في (أ) "كحال"، والصحيح ما أثبته. ينظر الهداية في شرح بداية المبتدي (٢/ ٣٩٧).
(٧) في (ب) "بما".
(٨) في (ب) "لأن المذكور" بعد قوله "المذكور".
(٩) البناية شرح الهداية (٧/ ٢١٥).
(١٠) ساقط من (ب).