للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الصدر الشهيد (١) -رحمه الله-: والصّحيح ما ذكره شمس الأئمة -رحمه الله-، ولا يقضي بنفقة في مال غائب إلا لهؤلاء، وهم زوجة الغائب وولده الصغار ووالده، أمّا غيرهم من المحارم كالأخوة والأخوات والأعمام فنفقتهم إنما تجب بالقضاء؛ لأنّه مجتهد، فيه فإن عند الشافعي -رحمه الله- لا تجب النفقة على غير الوالدين والمولودين (٢)، ذكره في «المبسوط» (٣).

وفي هذه المسألة أقاويل مرجوع عنها، ولم يذكرها ومن تلك الأقاويل ما ذكرنا من قوله: إذا جحد المديون أو المودع الزّوجية بينهما أو المال في يده، فقد كان أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: أولاً يقبل بينتها على الزوجية، ثم رجع فقال: لا يقبل بينتها، ومنها ما إذا لم يكن للزّوج الغائب مال حاضر، فطلبت المرأة من القاضي أن يسمع بينتها على النكاح ليفرض النفقة على الغائب، ويأمرها بالاستدانة لم يجبها إلى شيء من ذلك؛ لأنّ هذا قضاء على الغائب، وهذا قول أبي حنيفة -رحمه الله- الآخر وهو قولهما -رحمه الله- وأمّا قول أبي حنيفة -رحمه الله- الأوّل، وهو قول زفر -رحمه الله- يجيبها إلى ذلك، وإن كان للغائب دين ووديعة والمُودع والمديون كل واحد منهما مقر بالوديعة والدّين والنكاح، فللقاضي أن يأمر بالإنفاق، أولاً من الوديعة؛ لأنّ القاضي نصب ناظراً، ونظر الغائب في البداية من الوديعة؛ لأنّ الوديعة تحتمل الهلاك بخلاف الدّين، هذا كلّه من «الذخيرة» (٤) والله أعلم (٥).

[فصل]

قال الشافعي -رحمه الله-: لا نفقة للمبتوتة (٦)، وهي التي طلّقها الزّوج ثلاثاً أو طلّقها بعوض حتّى وقع الطّلاق بائنًا عندهم، إلا إذا كانت حاملاً، وعلى قول ابن أبي ليلى لا نفقة للمبتوتة في العدّة أي على أي وصف كانت.

قوله: {فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} (٧)، فإن قيل: فمن أين يُعلم أن هذه الآية في حق المطلقات، قلنا عُلم ذلك بآخر الآية وهو قوله تعالى: {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٨) والنفقة في غير المطلّقات غَيْرُ مُغَيَّاةٍ (٩) بوضع الحمل.


(١) عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة، أبو محمد، برهان الأئمة، حسام الدين، المعروف بالصدر الشهيد، من أكابر الحنفية، له: (الفتاوى الصغرى)، و (الفتاوى الكبرى)، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة. يُنْظَر: تاج التراجم لابن قطلوبغا (ص: ٢١٨)، والأعلام للزركلي (٥/ ٥١).
(٢) ينظر: الحاوي الكبير (٣/ ٣٦٠)
(٣) المبسوط للسرخسي (٥/ ٢٢٣).
(٤) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٧٦).
(٥) ينظر: العناية شرح الهداية (٤/ ٤٠٣).
(٦) ينظر: المجموع شرح المهذب (١٦/ ٢٦٣).
(٧) سورة الطلاق: ٦.
(٨) سورة الطلاق: ٦.
(٩) مُغَيَّاةٍ: من الغاية، والمقصود أنه لا معنى حينئذ لجعل غاية إيجاب الإنفاق عليها الوضع. ينظر: فتح القدير للكمال ابن الهمام (٤/ ٤٠٧).