للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أمّا على الدّين والوديعة؛ فلأنّها تثبت الملك للغائب حتّى إذا ثبت ملكه يترتّب عليه حقها فيه، وهي ليست بخصم في إثبات الملك للزّوج في أمواله، وأمّا إذا جحد الزوجية فقد كان أبو حنيفة -رحمه الله- يقول: أولاً يقبل بينتها على ذلك؛ لأنّها تدعي حقها فيما في يده من المال بسبب، فكان خصمًا في إثبات ذلك السّبب، كمن ادّعى عينًا في يد إنسان أنه له اشتراه من فلان الغائب، ثم رجع فقال: لا يقبل بينتها على ذلك، وهو قول أبي يوسف ومحمّد -رحمهما الله-؛ لأنّها تثبت النكاح على الغائب والمودع والمديون ليس بخصم [٣٩٠/ ب] عن الغائب في إثبات النكاح عليه بالبيّنة، والاشتغال من القاضي بالنظر يكون بعد العلم بالزّوجية، فإذا لم يكن ذلك معلومًا له لا يشتغل بسماع البيّنة من غير خصم.

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهَا، أي: أو كانت ثياباً من جنس كسوتها.

ثم في كلّ موضع كان للقاضي أن يقضي لها بالنفقة في مال الزّوج فلها أن تأخذ من مال الزّوج ما يكفيها بالمعروف بغير قضاء لحديث هند امرأة أبي سفيان (١) (٢).

أما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فإنه لا يباع على الحاضر (٣)، لما أن البيع عليه إنّما يكون على طريق الحجر، والحجر عند أبي حنيفة -رحمه الله- على الحرّ العاقل البالغ لا يصحّ.

ويأخذ منها كفيلاً، فقال في «الذخيرة» (٤): وإذا كان الزّوج غائباً وله مال حاضر في بيته، وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة، فإن كانّ القاضي يعلم بالنكاح بينهما فرض لها النفقة في ذلك المال؛ لأنّ هذا إيفاء لحق المرأة وليس بقضاء على الزوج بالنّفقة؛ لأنّ النفقة واجبة على الزّوج بحكم الزوجيّة قبل قضاء القاضي، والقاضي عرف قيام الزوجية ههنا إنّما الحاجة إلى الإيفاء، والإيفاء لا يمتنع بسبب الغيبة، ألا ترى أن من أقرّ بدين ثم غاب وله مال حاضر من جنس الدّين فطلب صاحب الدّين من القاضي الإيفاء أجابه القاضي إلى ذلك، فهنا كذلك، ولكن ينبغي للقاضي أن ينظر للغائب وذلك في أن يحلفها أنّه لم يعطها النفقة، لجواز أن يكون أعطاها النّفقة قبل أن تغيب وهي تلبّس على القاضي لتأخذ ثانياً فإذا حلفت أعطاها النفقة وأخذ منها كفيلاً هكذا ذكره شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله- في شرحه وكذا في أدب القاضي للخصّاف أنّ القاضي إذا استوثق منها بكفيل فحسن وإن لم يأخذ كان جائزًا (٥).


(١) حديث «خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف» أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم، رقم (٢٢١١).
(٢) أبو سفيان هو: صخر بْن حرب بْن أمية بْن عبد شمس بْن عبد مناف بْن قصي بْن كلاب بن مرة ابن كعب بْن لؤي، أَبُو سفيان القرشي الأموي، رأس قريش، وقائدهم يوم أحد، ويوم الخندق، ولد قبل الفيل بعشر سنين، وأسلم ليلة الفتح، وشهد حنينًا والطائف، مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، كان من دهاة العرب، ومن أهل الرأي والشرف فيهم، وتزوّج النّبي صلّى اللَّه عليه وسلم ابنته أم حبيبة قبل أن يسلم توفي بالمدينة سنة ٣١ هـ. انظر: أسد الغابة (٢/ ٣٩٢)، الإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ٣٣٣)، سير أعلام النبلاء (٢/ ١٠٦).
(٣) ينظر: البناية شرح الهداية (٥/ ٦٨٤).
(٤) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٣/ ٥٣٠).
(٥) ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (٤/ ٢١٤).