للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذوَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ -رحمهما الله-: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: هَذَا لَا يَكُونُ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ (١): وَإِنْ كَانَ؟!

قَاَلَ: لَا نِفَاسَ لَهَا، مِنَ الْوَلَدِ الثَّانِي، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي يُوسُفَ، وَلَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ، كَمَا تَضَعُ الْوَلَدَ الثَّانِي وَتُصَلِّي؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ) (٢) كَذَا فِي" الْمُحِيطِ " (٣)

وَبَعْضُهُ مَذْكُورٌ فِي"الجَامِعِ الصَّغِيرِ " (٤) لِلْإِمَامِ السَّرْخَسِيِّ -رحمه الله- (٥).

وَالْعِدَّةُ تَعَلَّقَتْ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إِلَيْهَا؛ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٦) وَمَا بَقِيَ الْوَلَدُ مَوْجُودًا فِي بَطْنِهَا؛ كَانَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا، وَانْقِضَاءُ الْأَجَلِ مُعَلَّقٌ فِي حَقِّهِنَّ بِوْضَعِ حَمْلِهِنَّ (٧) فَكَانَ مُعَلَّقًا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الْأَخِيرِ ضَرُورَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

بَابُ الْأَنْجَاسِ وَتَطْهِيرِهَا

[تَعْرِيفُ النَّجَاسَةِ]

لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَتَطْهِيرِهَا، شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا؛ إِذِ الطَّهَارَةُ عَنْهُمَا؛ شَرْطُ جَوَازِ الصَّلَاةِ، لَكِنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ؛ أَقْوَى فِي كَوْنِهَا نَجَاسَةً؛ حَتَّى أَنَّ [قَلِيلَهَا] (٨) يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالاتْفِاقِ (٩)، وَلَا يُعْذَرُ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ الاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْقَلِيلَ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ (١٠) الاحْتِرَازُ عَنْهُ، مَعفُوٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ -رحمه الله- (١١)، وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ (١٢)، وَمَا دُونَهُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ؛ وَلِأَنَّ وَجُوبَ الطَّهَارَةِ؛ عَنِ الْحُكْمِيَّةِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا بِعُذْرٍ مَا، إِمَا أَصْلًا، أَوْ خَلَفًا، بِخِلَافِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَلِقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ قَدَّمَ بَيَانَهَا.


(١) ساقطة من (ب).
(٢) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (٣/ ٢١٢ - ٢١٣)، و" الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي " (١/ ٣٥).
(٣) ينظر: " المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ٢٦٥).
(٤) ينظر: "المبسوط" للسرخسي (٣/ ٢١٢ - ٢١٣).
(٥) السَرخسي: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي. فقيه أصولي حنفي. ينسب إلى "سرخس " وهي بلدة قديمة من بلاد خراسان. أخذ الفقه والأصول عن شمس الأئمة الحلواني. وبلغ منزلة رفيعة عده ابن كمال باشا من المجتهدين في المَسائلِ. كان عالمًا عاملاً ناصحًا للحكام. سجنه الخاقان بسبب نصحه له توفى سنة ٤٨٣ هـ، انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية للقرشي (٢/ ٢٨).
(٦) سورة الطلاق: (٤).
(٧) في (ب): (بوضع حملين بوضع).
(٨) في (أ): (قليلهما)، وهو خطأ، والصحيح ما اثبت من (ب).
(٩) ينظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٦٨)، و"المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٩٧)، و" الاختيار لتعليل المختار" للموصلي (١/ ١٦).
(١٠) في (ب): (يستطاع في).
(١١) ينظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ٢٩٥)، و"الوجيز في فقه الإمام الشافعي" للغزالي ص: (٦٢)، و"العزيز شرح الوجيز" للرافعي (٢/ ٢٠ وما بعدها)، و"روضة الطالبين وعمدة المفتين" للنووي (١/ ٢٧٩)، و"منهاج الطالبين وعمدة المفتين" للنووي ص: (١٠٦).
(١٢) ينظر: "الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن (١/ ٧٩ - ٨١)، و"المبسوط" للسرخسي (١/ ٤٦)، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي (١/ ٦٤)، و"بدائع الصنائع للكاساني" (١/ ٨٠)، "المحيط البرهاني لإبن مازة " (١/ ١٨٨).
والمقصود بقدر الدرهم عند الأحناف: كما قال صاحب كتاب الجواهر النيرة: هو (المثقال الذي وزنه عشرون قيراطا ثم قيل المعتبر بسط الدرهم من حيث المساحة، وقيل وزنه والتوفيق بينهما أن البسط في الرقيق والوزن في الثخين). الجوهرة النَّيرة شرح مختصر القدوري للزبيدي (١/ ٣٨)