للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذا يُعلم أن قوله: (أن الواجب في ذمة العبد ظهر وجوبه في حق الموْلَى) احترازًا عن دين المحجور بسبب التجارة أو بإقراره، وعن دين المأذون الذي هو صداق امرأة تزوجها بغير إذن الموْلَى فإنه لمَّا لم يظهر في حق الموْلَى لعدم الإذن لم يبع رقبته بسببه.

[غرض الموْلَى من الإذن هو تحصيل المال]

وقوله: (وتعلق الدين برقبته استيفاء) حامل جواب عن قولهما: (أن غرض الموْلَى من الإذن تحصيل مال) إلى آخره يعني: لما علم الناس أن المعاملة مع العبد المأذون لا تضيع ولا يخسر أحد في المعاملة معه؛ فإنه لو لم يبق له مال لبقيت (١) رقبته، ولنا: ولاية بيع العبد بسبب الدين وأخذ الثمن بخلاف المعاملة مع (٢) الحرِّ، فإنه لو لم يبق مال تجب النَّظْرة إلى وقت الميسرة، فعسى تحصل الميسرة وعسى لا تحصل، فكان هذا المعنى داعيًا للناس إلى المعاملة مع العبد المأذون؛ فيكثر معاملوه رغبة فيه، وازدياد الأرباح إنما يكون عند ازدياد كثرة المعاملات في التجارات، فيحصل غرض الموْلَى، وهو ازدياد الأرباح (٣).

[العبد الذي لا كسب له يكون معسرًا]

وهذا المعنى أيضًا يصلح جوابًا عما تمسَّك به الشافعي (٤) - رحمه الله- ذكره في «المبسوط» (٥) من قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (٢٨٠)} (٦) وقال/ والعبد الذي لا كسب (٧) في يده معسر؛ فكان مستحقًّا للنظرة شرعًا، ولو أجَّله الطالب لم يجز بيع (٨) رقبته فيه)، فلا يكون تأجيل الشارع أدنى من تأجيل الطالب، فيجب ألا يجوز بيعه فيه أيضًا؛ قلنا نحن لمَّا كان بيعه مستحقًّا بحكم الحديث الذي ذكرنا، (ظهر أنه كان موسرًا في قضاء الدين بمالية الرقبة، والإنظار شرعًا إنما يكون بعد تحقق العسرة، فأما اليسار فلا) (٩).


(١) في (أ) و (ع) (فبقيت).
(٢) في (أ) (منع) وما أثبت هو الصحيح لسياق الكلام.
(٣) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٤٩ - ٥٠)، الأسرار (١/ ٣٩٧)، الاختيار (٢/ ١٠٠).
(٤) انظر: الأم للشافعي (٣/ ٢٠٦)، تحفة المحتاج (٥/ ١٣٨)، نهاية المحتاج (٤/ ٣٣٠).
(٥) للسرخسي (٢٥/ ٤٨).
(٦) سورة البقرة من آية (٢٨٠).
(٧) في (ع) زيادة (له) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٤٨).
(٨) سقطت في (أ) وفي (ع) والمثبت من المبسوط انظر: (٢٥/ ٤٨).
(٩) المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٤٩).