للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[المضمضة للصائم]]

وفي «المَبْسُوط» (١): وإذا تمضمضَ الصائِمُ، فسبقَهُ الماءُ، فدخلَ حَلْقَةُ، فإنْ لم يكنْ ذاكراً للصومِ، فصومُهُ تامٌ كما لو شَرِبَ، وإنْ كانَ ذاكراً صومَهُ فعليهِ القضاءُ (٢) عِنْدَنَا خلافاً للشافعي -رحمه الله- (٣)، واستدلَّ بقولهِ -عليه الصلاة والسلام-: «رُفِعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه» (٤)، ثُمَّ عُذْرٌ يزالُ بين مَنْ عَذَرَ الناسِي، فإنَّ الناسِي قاصداً إلى الشربِ غيرَ قاصدٍ إلى الجنابةِ على الصَّوْم، وهذا غيرُ قاصدٍ لا إلى الشربِ، ولا إلى الجنابةِ على الصَّوْم فإذ لم يُفسِدْ الصَّوْم ثمةَ فهاهنا أولى، ولنا ما رُوِيَ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- قالَ للقيطِ بن صبرةَ (٥): «بالغْ في المضمضةِ والاستنشاقِ إِلاَّ أنْ تكونَ صائماً» (٦)، فالنهيُّ عن المبالغةِ التي فيها كَمالُ السُّنةِ عندَ الصَّوْم دليلٌ على أنَّ دخولَ الماءِ في حَلْقِهِ مُفْسِدٌ لصومِهِ، ولأنهُ وَصَلَ المعنى، أو المرويَ إلى خوفهِ من خارجٍ، وهو ذَاكرٌ له لصومهِ فيفسدُ صوَمهُ قياساً على ما لو قَصَدَ إلى الفِطْرِ، ولا يلزمُ على ما قلنا: إذا ابتلعَ ما في أسنانهِ أو ابتلعَ البُزاقَ حيثُ لا يفسدُ صومَهْ؛ لأنا احترزنا في العبادةِ بقولنا من خارجٍ وثمةَ وصلِ منِ الفمِ، ولا يمكنُ التحرزُ عنه، ولا يلزُم أيضاً إذا دخلَ الذُبابُ جوفَهُ حيثُ لا يفسدُ؛ لأنَّ هناكَ لم يوجدْ ما هو ضدَّ الصَّوْم، وهو إدخالُ الشيءِ منِ الخارجِ إلى الباطنِ صورةً ومعنى، ولِأَنَّ رُكنَ الصَّوْم قد انعدمَ مع عُذْرِ الخطأ،] وأن (٧) العبادةَ بدونِ رُكْنِها لا تتصورُ، وهكذا القياسُ في الناسِي، ولكنا تركنا القياسَ بالسُّنةِ هناك هذا، وليس في معناه.


(١) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (٣/ ١١٩، ١٢٠).
(٢) يُنْظَر: تُحْفَةِ الْفُقَهَاء (١/ ٣٥٤)، بَدَائِعُ الصَّنَائع (٢/ ٩١)، وهو مذهب الحنابلة والمالكية يُنْظَر: الْمُغْنِي (٣/ ٣٦)، المدونة (١/ ٢٧١)، الذخيرة للقرافي (٢/ ٥٠٨).
(٣) للشافعي -رحمه الله- ثلاثة أقوال: الفطر مطلقا، وعدم الفطر مطلقا والقول الثالث: إن بالغ في المضمضة، أفطر، وإلا فلا. يُنْظَر: الأم (٢/ ١٠١)، الْمَجْمُوع (٦/ ٣٢٦)، الإقناع للشربيني (١/ ٢٣٧)، وقال النووي عنه: هو أصحها عند الأصحاب.
(٤) رَوَاهُ ابن ماجه في سننه (٢٠٤٥)، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. قال الألباني: صحيح.
(٥) هو: لقيط بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أبو رزين العقيلي، وهو وافد بنى المنتفق إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وروى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبته مسألته، ولم أجد من ذكر سنة وفاته.
يُنْظَر: الاستيعاب (٣/ ١٣٤٠)، تهذيب الكمال (٢٤/ ٢٤٨)، المؤتلف والمختلف (٣/ ١٩٢).
(٦) أخرجه أحمد في مسنده (٢٦/ ٣٠٦)، وأبو داود في سننه، باب في الاستنثار (١/ ٥٤)، والترمذي في سننه، باب كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (٣/ ١٥٥)، والنسائي في سننه، باب المبالغة في الاستنشاق (١/ ٦٦)، وابن ماجه في سننه، باب المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (١/ ١٤٢)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (١/ ٢٤٢).
(٧) في (ب) (وأداء).