للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولنا قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (١)، واسم الصيد يعم الكل؛ لأنه يسمى به لتنفره واستيحاشه، وبعده من (٢) أيدي الناس، وذلك موجود فيما لا يؤكل لحمه، ولأن حرمة الصيد تثبت بالإحرام، والحرم تعظيمًا للحرم، والإحرام لا لكونه مأكولًا حتى ألحق النبات في الحرم بالصيد فصار المأكول، وغير المأكول فيه سواء ألا ترى أن المأكول صار بمنزلة غير المأكول بالتحريم، وإنما حل بالنص ما يعدو علينا، والنزاع فيما لا يعدو علينا مثل الأسد، والنمر، والفهد لبعدها عنا.

وأما العادي فهو الذي يقرب منا، ومن مواشينا، والحدأة التي تعيش بالاختطاف بين العباد، والفأرة التي عيشها من طعام العباد، وكذلك الغراب، والحية، والعقرب من هذا الوجه، واضح، وذلك كالمرتد يجب قتله؛ لأنه ناقض للعهد، ومحارب، ومن كان من أهل القتال يجب قتله، وأما من كان منهم لا يقاتل مثل الشيوخ، والذمي، والنساء لا يحل قتلهم، فكذا هذا ذكره شمس الأئمة، وفخر الإسلام.

[القياس على الفواسق]

(والقياس على الفواسق ممتنع لما فيه من إبطال العدد). ولأن بينهما فرقًا على ما ذكرناه.

(واسم الكلب لا يقع على السبع عرفًا)./ (والعرف أملك). وفي هذا جواب عما قاله الشافعي -رحمه الله-.

(والعرف أملك: أي أضبط لصاحبه، وأقوى أفعل من الملك كأنه يملكه، ويمسكه، ولا يخليه إلى الآخر)، كذا في «المغرب» (٣)، ثُمَّ كون العرف أقوى ظاهر كما في اسم البيت، وأم الولد، والصغيرة، والكبيرة والصبية، وكما في مسائل الإيمان حيث يترك الوضع الأصلي بالعرف، ولا يجاوز بقيمته شاة بالرفع؛ لأنه أسند إليها.

قوله -رحمه الله-: (ولا يجاوز).

فلا يجوز أن ينصب شاة على أنه مفعول ثان، ويسند الفعل إلى الجار، والمجرور؛ لأن للمفعول المتعدى إليه بغير حرف من الفضل على سائر ما بنى له متى ظفر به فممتنع أن يسند إلى غيره يقول: دفع المال إلى زيد.

(وبلغ بعطائك خمسمائة بدفع المال وخمسمائة)، أي: لا يجاوز بقيمة الذي لا يؤكل لحمه من الصيود قيمة شاة.

وقال زفر (٤): "يجب بالغة ما بلغت"، وقال الشافعي-رحمه الله-: لا يجب شيء على ما ذكرنا وحجتنا في ذلك أن فيما لا يؤكل لحمه وجوب الجزاء باعتبار معنى الصيدية فقط لا باعتبار لحمه، وأما في الذي يؤكل لحمه وجوب الجزاء باعتبار إراقة الدم، وإفساد اللحم فتجب قيمته بالغة ما بلغت، بخلاف حقوق العباد فإنه إذا كان بازياً معلمًا مملوكًا حيث تجب قيمته بالغة ما بلغت؛ لأن وجوب الضمان للمالك هنا (٥) باعتبار كونه منتفعاً به، ويزداد ذلك بكونه معلماً، ووجوب ضمان الجزاء على المحرم لكونه صيدًا ممتنعًا متوحشًا، وينتقض هذا المعنى بكونه معلماً؛ لأنه يصير به ألوفًا فلهذا لا يزداد الجزاء باعتباره، وهذا لأن زيادة القيمة في الفهد، والأسد بمعنى تفاخر الملوك به لا لمعنى الصيدية، وذلك غير معتبر في حق المحرم، فلم يلزمه ذلك أكثر من شاة، كذا ذكر في «المبسوط» (٦)، وغيره.


(١) سورة المائدة من الآية (٩٥).
(٢) في (ب): عن.
(٣) انظر: المغرب في ترتيب المعرب (١/ ٤٤٦).
(٤) انظر: المبسوط (٤/ ٩٢).
(٥) في (ب): هناك.
(٦) انظر: المبسوط (٤/ ٩٢).