للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأخير الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحجته]

واستدل محمد -رحمه الله- بتأخير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحجّ بعد نزول فرضيته، وإنما نزلت (١) فرضية الحجّ في سنة ست من الهجرة، وحج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سنة عشر، والمعنى فيه أن الحجّ فرض العمر، فكان جميع الوقت وقت أدائه بدليل أنه إذا أخره كان مؤديًا لا قاضيًا، وأبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله- استدلا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من وجد زادًا وراحلة يبلغانه بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا» (٢).

وقال عمر - رضي الله عنه -: «لقد هممت أن أنظر إلى من ملك الزاد والراحلة ولم يحج، فأحرق عليهم بيوتهم، والله! ما أراهم مسلمين قالها ثلاثًا» (٣) والمعنى: هو ما ذُكر في الكتاب.

[سبب تأخير الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحجته]

وأما تأخير النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد منع ذلك بعض مشايخنا، فقالوا: نزول فرضية الحجّ بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (٤) وإنما نزلت هذه الآية في سنة عشر، وأما النازل سنة ست فقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٥) وهذا (٦) أمر بالإتمام لمن شرع فيه، فلا يثبت به ابتداء الفرضية، مع أن التأخير إنما لا يحل لما فيه من التعريض للفوت، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمن ذلك؛ لأنه مبعوث لبيان (٧) الأحكام للناس، والحجّ من أركان الدين فأمن أن يموت قبل أن يبينه للناس بفعله، ولأن تأخيره كان بعذر؛ وذلك لأن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة ويُلبُّون تلبيةً فيها شرك، وما كان التغيير ممكنًا للعهد، حتى إذا تمت المدة بعث عليًّا - رضي الله عنه - حتى قرأ عليهم سورة: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٨).


(١) ساقطة من (ج).
(٢) أخرجه الترمذي في "سننه" باب: [مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الحَجِّ] (٣/ ١٧٦) برقم: [٨١٢]، والعقيلي في الضعفاء (٤/ ٣٤٨)، وابن عدي (٧/ ٢٥٨٠)،
انظر الكلام عليه في نصب الراية (٤/ ٤١١)، والتلخيص الحبير (٢/ ٢٢٢)، اللآلئ (٢/ ١١٨)، التعقيبات على الموضوعات، للسيوطي (ص ٢٣)، تنزيه الشريعة (٢/ ١٧٢)، الفوائد المجموعة: (ص ١٠٢) قال الشيخ المعلمي رحمه الله في تعليقه على الفوائد المجموعة: حاصله أن أسانيد الخبر كلها واهية.
(٣) أخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (٤/ ٩٢٣) برقم: [١٥٦٧]، وصححه ابن كثير في "مسند الفاروق" كتاب: [الحج] (١/ ٢٩٣).
(٤) سورة آل عمران من الآية (٩٧).
(٥) سورة البقرة من الآية (١٩٦).
(٦) في (ج) وهو.
(٧) في (ج) ليبين.
(٨) سورة التوبة من الآية (١).