للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر مثل هذا أيضاً في شرح الطحاوي (١) قال: "إذا قال البائع: أبيع منك هذا العبد بألف درهم، وأراد به إيجاب البيع في الحال، فقال المشتري: قبلت، أو قال المشتري: أولاً أشتري منك هذه الجارية بألف درهم، وأراد به إيجاب (٢) البيع (٣) في الحال، فقال البائع: بعت منك، تم البيع بينهما" (٤)، فعلى هذا كان معنى (وَلا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ).

أي: إذا لم ينو به الحال، وأما إذا نوى الحال فينعقد.

[[الفرق بين عقد النكاح والبيع]]

قوله في الكتاب (٥):

(بِخِلافِ النِّكَاحِ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَاكَ).

فإن أحدهما لو قال للآخر: زوجني، فيقول: زوجتك، ينعقد النكاح؛ لأن هذا توكيل، والواحد يتولى طرفي النكاح، بخلاف البيع.

(لأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ)، والإنشاء إثبات أمرٍ لم يكن، (وَالإِنشاء يعرف بِالشرع) (٦)

[[سبب اللفظ الماضي في البيع]]

لأن للشارع -وهو الله تعالى- ولاية الإيجاد والاعدام، والإثبات والمحو، فكان له الولاية الكاملة في وضع أسباب الشرائع وأركانها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مخبر عنه بإعلامه إياه؛ بأن هذا سبب هذا؛ وبأن هذا شرط هذا، وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ الماضي (٧) الذي هو عبارة عن الذي تحقق وجوده في انعقاد البيع، فكان الانعقاد مقتصراً عليه؛ إذ القياس لا يجري في وضع الأسباب.


(١) مختصر الطحاوي، في فروع الحنفية للإمام أبي جعفر: أحمد بن محمد الطحاوي، الحنفي. رتبه: كترتيب: مختصر المزني. وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، قال: جمعت في كتابي هذا أصناف الفقه التي لا يسع الإنسان جهلها، وبينت الجوابات عنها من قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وقد أولع الناس في شرحه. كشف الظنون (٢/ ١٦٢٧). قلت: ومن شروحه المطبوعة شرح مختصر الطحاوي في الفقه الحنفي، للإمام أبي بكر الرازي الجصاص.
(٢) في (ب) "الإيجاب".
(٣) في (ب) "في البيع" بزيادة "في".
(٤) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنْز الدقائق وحاشية الشلبي (٤/ ٤)
(٥) مراده كتاب البداية، واسمه بداية المبتدي في الفروع، فقه حنفي، وهو مختصر، ذكر فيه أنه جمع بين (مختصر القدوري)، و (الجامع الصغير). واختار ترتيب (الجامع) تبركاً بما اختاره: محمد بن الحسن، وهو مطبوع لمؤلفه شيخ الإسلام برهان الدين علي أبي بكر المرغيناني (ت ٥٩٣). كشف الظنون (١/ ٢٢٧)
(٦) قال في الهداية " والموضوع للإخبار قد استعمل فيه فينعقد به " الهداية شرح بداية المبتدئ (٣/ ٩٣٩).
(٧) لم يرد في الأحاديث -على حد علمي - ما يدل صراحة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل لفظ الماضي في مبايعاته، إلا أن الناس قد تعارفوا على استعمال هذا اللفظ، وأقرهم الإسلام عليه، وعليه فإن الغالب هو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون قد استخدمه في عقوده وتعاملاته المالية، وبناءً على هذا الظن الغالب يصرح بعض الفقهاء أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد استعمله. ينظر: بيوع الآجال في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة. ص (٢٣٦).