للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمعنى فيه أن انعقاد البيع في غير التعاطي لما توقف إلى العبارة، اختير له لفظ الماضي من بين سائر العبارات، وذلك؛ لأن المُخبَر به -وهو البيع والشراء- لم يكن بينهما في الزمن الماضي، فيجعل كأن الله تعالى أنشأ بينهما بيعاً وشراءً (١)، فهما أخبرا عنهما بقولهما:

(بعت واشتريت) اقتضاءً تصحيحاً لكلامهما، ومثل هذا مرّ في الطلاق في قوله: أنت طالق حيث يجعل هناك قبل قوله: أنت طالق وقوع الطلاق اقتضاءً، وهذا إخبار عنه تصحيحاً لكلامه، فكذا هنا. ولا يرد على هذا قوله:

(خذه (٢) بكذا)

حيث ينعقد به البيع عند قبول المشتري، مع أنه ليس هو للماضي؛ لأنا نقول: إنه أمره بالأحذ، ولم يكن له ولاية الأمر بالأخذ إلا بأن يبيعه أن يبيح له بالأخذ، فيثبت البيع بطريق الاقتضاء (٣)، فترجحت (٤) جهة البيع على جهة الإباحة بدلالة قوله: (بكذا)

وذكر في الإيضاح (٥): وإنما خص هذه اللفظة؛ لأن هذه اللفظة التي هي خبر عن الماضي تستدعي سبق المخبر به ليكون الكلام صحيحاً حكمةً وعقلاً،/ فصار الوجود حقًّا له بمقتضى الحكمة، فإذا قصد الإنشاء والإيجاد اختار اللفظ الذي لزمه الوجود، وهو لفظ الإخبار عن الماضي؛ (لأنه يؤدي معناه)

وقد ذكرنا ذلك المعنى قبيل هذا، بأنه أمره بالأخذ وليس له ولاية فيه إلا بسابق البيع اقتضاءً.

(والمعنى هو المعتبر)

"حتى إن الحوالة تصير كفالة عند براءة الأصيل، والكفالة بشرط براءة الأصيل يصير حوالة" (٦).

والمراد من النفيس: ما يكثر ثمنه كالعبيد، والإماء.

ومنه الخسيس: ما يقل ثمنه كالبقل والرمانة واللحم والخبر.

فقال: (هو الصحيح)

احتراز عن قول الكرخي (٧)، فقال الكرخي: "إنما ينعقد البيع بالتعاطي في الأشياء الخسيسة نحو البقل، وعامتهم (٨) على أنه ينعقد في جميع الأشياء، الخسيسة والنفيسة في ذلك سواء" (٩).


(١) "لم يكن" زيادة في (ب).
(٢) بدون هاء في (ب).
(٣) الاقتضاء، وهو ما يفهم عندَ اللفظ ولا يكون منطوقاً به. تشنيف المسامع بجمع الجوامع (١/ ٣٣٨).
(٤) " ترجحت " كذا نسخة (ب).
(٥) الإيضاح في فروع الفقه الحنفي، وهوشرح للتجريد، كلاهما لعبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم الكرماني ركن الدين، أبي الفضل، توفى بمرو، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. قال في هداية العارفين "الإيضاح في شرح التجريد له" وبعد البحث فهو لا زال مخطوطاً. هدية العارفين (١/ ٥١٩).
(٦) كشف الأسرار (٢/ ٦٢)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: ١٧٤).
(٧) عبيد بن الحسين بن دلال بن دلهم، أبو الحسن الكرخي صنف "المختصر" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" توفي أبو الحسن الكرخي ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاثمائة. تاج التراجم (ص: ٢٠١)، تاريخ بغداد وذيوله (١٠/ ٣٥٢)، لسان الميزان (٥/ ٣٢١).
(٨) إذا قال الحنفية في كتبهم: قال العامة، فإنهم يقصدون بذلك عامة مشايخهم، وقيل: يقصدون بهم فقهاء العراق والكوفة. مصطلحات المذاهب ص ٩٤.
(٩) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (٦/ ٢٧٤).