للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في أحكام ومسائل تتعلق بشاهد الزور]

ذكر شهادة شاهد الزُّور في فصل على حدة؛ لأنَّ لها أحكاما مخصوصة؛ وأخَّرها لأنَّ الأصل هو الصدق (١).

«اعلم أنَّ شاهد الزُّور عندنا هو المقِرُّ على نفسه بذلك، لأنَّه لا يتمكن تهمة الكذب في إقراره على نفسه، فلا طريق لإثبات ذلك بالبيِّنة عليه؛ لأنَّه نفي لشهادته، والبيِّنة حجة [للإثبات] (٢) دون النفي.

فكذلك من رُدَّت شهادته للتهمة، أو للدفع عن نفسه، أو بالاختلاف في الشَّهادة، أو بتكذيب الذي شهد له، فإنَّه لا يكون شاهد الزُّور فيما ذكر من الحكم، لأني لا أدري أيهما الصَّادق المشهود له أو الشَّاهد، فلعل المشهود له أراد بالشَّاهد العقوبة والتهمة، وقصَّر في دعواه عما يشهد به شاهده.

وكذلك من رُدَّت شهادته للتهمة فلعله صادق في شهادته.

وكذا إذا اختلف الشَّاهدان في الشَّهادة، ولا يعرف الكاذب منهما، فلهذا لا يعذر واحد من هؤلاء الرجال والنِّساء.

وأهل الذِّمة في شهادة الزُّور سواءٌ؛ لقيام الأهليَّة في حقهم جميعاً فيما يتعلق به شهادة الزُّور». كذا في المبسوط (٣).

وذكر شيخ الإسلام [رحمة الله عليه] (٤): أنَّ شاهد الزُّور الذي يشهد ويُعزَّر أن يقرَّ على نفسه بالكذب متعمداً، فيقول: كذبت فيما شهدت متعمداً، أو شهد بقتل رجل ثم يجيء [هو] (٥) المشهود بقتله حياً، حتى يثبت كذبه بيقين، فأمَّا إذا قال غلطت، أو اخطأت، أو رُدَّت شهادته لتهمة، أو لمخالفة بين الدَّعوى والشَّهادة لا يعزَّر أصلا (٦).

[في رجوع شاهد الزور عن شهادته]

. «وقال الحاكم الإمام أبو محمد الكاتب (٧) - رحمه الله -: وهذه المسألة على ثلاثة أوجه: إنْ رجع على سبيل التوبة والندامة لا يعزَّر من غير خلاف، وإن رجع على سبيل الإضرار يعزَّر بالضَّرب من غير خلاف، وإن كان لا يعلم فعلى الاختلاف الذي قلنا.


(١) ينظر: البناية شرح الهداية (٩/ ١٩٦).
(٢) في «س»: [الإثبات].
(٣) المبسوط (١٦/ ١٤٥).
(٤) في «س»: [رحمه الله].
(٥) سقط من: «ج».
(٦) ينظر: المحيط البرهاني (٨/ ٤٥٧)، تبيين الحقائق (٤/ ٢٤٢).
(٧) عبد الرّحمن بن محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن عُزَيْز بن محمَّد بن يزيد بن محمَّد، أبو سعد، الحاكم، الإمام، الكاتب، النيسابوري، الفقيه الحنفي، ابن دُوْسَت -لقب جدِّه محمَّد بن عزيز-، تفقه على أبي بكر محمد بن الفضل الكماري، كان أحد الأعيان الأئمة بخراسان في العربية سمع الدواوين وحصلها، وصنف التصانيف المفيدة، وأقرأ الناس الأدب والنحو، وكان زاهداً عارفاً ورعاً، وكان أصماً لا يسمع، توفي سنة ٤٣١ هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء (١٧/ ٥٠٩)، الجواهر المضية (١/ ٣٠٨)، فوات الوفيات (٢/ ٢٩٧)، الأعلام (٣/ ٣٢٦).