للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ سَاقِطٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَسْتَقْبِلِ الصَّلَاةَ؛ قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَظْرَ مَعَ النَّجَاسَةِ نَزَلَ حِينَئِذٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، كَذَا فِي " الْمَبْسُوطِ " (١).

[تطهير النَّجَاسَةُ الرَّطْبَةُ]

قَوْلُهُ -رحمه الله-: (وَفِي الرَّطْبِ) (٢):

أَيِ: الرَّوْثُ، وَالْعَذِرَةُ، وَالدَّمُ، أَصَابَتِ الْخُفَّ، وَهِيَ رَطْبٌ بَعْدُ، لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ؛ لَا يُزِيلُهَا، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ -رحمه الله-، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَشَى عَلَى الرَّوْثِ؛ ثُمَّ مَسَحَ خُفَّهُ عَلَى الْأَرْضِ؛ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَلَا رَائِحَتِهَا، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَاعْتَبَرَ الْبَلْوَى (٣) فِيهِ (٤).

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرْخَسِيُّ -رحمه الله-: وَهُوَ صَحِيحٌ (٥)، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلضَّرُورَةِ (٦)، كَذَا فِي " الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" (٧) لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ -رحمه الله-، وَإِطْلَاقُ مَا يُرْوَى؛ وَهُوَ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنْ كَانَ يهما قَذَرٌ، فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» (٨) (٩) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ/ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَإِنْ قُلْتَ: كَمَا أَنَّ مَا يُرْوَى؛ لَا يُفَصِّلُ بَيْنَ الرَّطْبِ، وَالْيَابِسِ، فَكَذَلِكَ لَا يُفَصِّلُ أَيْضًا؛ بَيْنَ النَّجَاسَةِ؛ الَّتِي لَهَا جُرْمٌ، وَبَيْنَ الَّتِي لَا جُرْمَ لَهَا، فَإِنَّ اسْمَ الْقَذَرِ، أَوِ (١٠) الْأَذَى، يَنْطَلِقُ عَلَيْهُمَا، ثُمَّ أَنْتُمْ تُفَصِّلُونَ بَيْنَهُمَا، وَالْحَدِيثُ لَمْ يُفَصِّلْ،


(١) من أول قوله: (فإن قيل: هذا الحديث) من كلام الشارح وليس من كلام السرخسي. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٨٢).
(٢) يقول صاحب الهداية: (وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله، لأنَّ المسح بالأرض يكثره ولا يطهره وعن أبي يوسف -رحمه الله- أنه إذا مسحه بالأرض حتى لم يبق أثر النجاسة يطهر لعموم البلوى وإطلاق ما يروى وعليه مشايخنا -رحمهم الله-. ينظر: "الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٦).
(٣) عُمُومُ البلْوَى: وهوَ في الأمْرِ الَّذِي يَعْسُرُ الانفِكَاكُ عنهُ، كالنَّجاسةِ الَّتي يشقُّ الاحتِرازُ عنهَا، كمنْ بهِ سلسُ بوْلٍ، واحتمالِ يسيرِ الغَبْنِ في البُيُوع، ونحوَ ذلكَ. انظر: " خلاصة تاريخ التشريع "لعبد الوهاب خلاف
(ص: ١٩٦) و" تيسير علم أصول الفقه" للعنزي (ص: ٦٤).
(٤) ينظر: "المبسوط" لمحمد بن الحسن (١/ ٦٢)، و"المبسوط" للسرخسي (١/ ٨٣)، و"الهداية في شرح بداية المبتدي للمرغيناني" (١/ ٣٦)، و" العناية شرح الهداية " للبابرتي (١/ ١٩٦).
(٥) الذي قاله السرخسي -رحمه الله-: (وهو الصحيح من المذهب) دون ذكر إن عليه الفتوي. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (١/ ٨٥).
(٦) (للضرورة): ساقطة من (ب).
(٧) " الْعِنَايَة شرح الهداية للبابرتي " (١/ ١٩٦).
(٨) في (ب): (على الأرض).
(٩) أخرجه أبو داود في "سننه" (ص ٦٦)، كتاب الطهارة، باب الأذى يصيب النعل، حديث (٣٨٥)، و (٣٨٦)، وأخرجه الطبراني في"الأوسط" (٣/ ١٤٨)، حديث (٢٧٥٩)، أخرجه الحاكم في"المستدرك" (١/ ٢٧١: ٢٧٢)، كتاب، حديث (٥٩٠) و (٥٩١). وقال الحاكم عن حديث (٥٩١): (هذا حديث صحيح على شرط مسلم فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق وقد حفظ في إسناده ذكر ابن عجلان ولم يخرجاه)، وقال ابن حجر العسقلاني في"التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني" (١/ ٦٦١): (وهو معلول اختلف فيه على الأوزاعي وسنده ضعيف).
(١٠) في (ب): (و).