للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: بَلْ فَصَّلَ الْحَدِيثُ النَّجَاسَةَ؛ الَّتِي لَا جُرْمَ لَهَا، وأخرجها بِالتَّعْلِيلِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» (١).

أَيْ: تُزِيلُ نَجَاسَتَهُمَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ (٢) يَقِينًا، أَنَّ الُخُفَّ إِذَا تَشَرَّبَتِ (٣) الْبَوْلَ، أَوِ الْخَمْرَ، لَا يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَجْزَاءِ الْجِلْدِ، فَكَانَ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ؛ مَصْرُوفًا إِلَى الْقَذَرِ، الَّذِي يَقْبَلُ الْإِزَالَةَ بِالْمَسْحِ؛ وَهُوَ الْقَذَرُ الَّذِي لَهُ جُرْمٌ؛ حَتَّى أَنَّ الْبَوْلَ، أَوِ الْخَمْرَ، لَوِ اسْتَجْسَدَ (٤) بِالرَّمْلِ، أَوْ (٥) بِالتُّرَابِ، فَجَفَّ؛ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ أَيْضًا بِالْمَسْحِ عَلَى الْأَرْضِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ -رحمه الله-: إِذَا مَشَى الرَّجُلُ عَلَى بَوْلٍ، أَوْ خَمْرٍ، ثُمَّ مَشَى عَلَى الرَّمَادِ، أَوِ الرَّمْلِ، أَوِ التُّرَابِ، فَالْتَصَقَ بِهِ، وَجَفَّ، فَمَسَحَهُ بِالْأَرْضِ حَتَّى تَنَاثَرَ، أَنَّهُ يَطْهُرُ، وَمَا الْتَصَقَ بِهِ؛ كَالْجُرْمِ لِتِلْكَ النَّجَاسَةِ (٦) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ -رحمه الله-: وَهُوَ صَحِيحٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُرْمٌ لِلنَّجَاسَةِ (٧) مِنْهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ (٨)،


(١) لا يعرف بهذا اللفظ، والمحفوظ فإن التراب لهما طهور وقد روي عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما- مرفوعاً. أما حديث عائشة فأخرجه أبي داود في "سننه" (ص ٦٦) في كتاب "الطهارة"، باب "في الأذى يصيب النعل"حديث رقم (٣٨٥)، وابن حبان في "صحيحه" (٤/ ٢٤٩) في كتاب "الطهارة"، باب "تطهير النجاسة" حديث رقم (١٤٠٣).
ومدار الحديث علي عبد الله ابن سمعان وهو ضعيف، حيث قال الإمام أحمد في "العلل" (١/ ١٨٨): (سمعت إِبْرَاهِيم بن سَعْد يحلف بالله، لقد كان ابن سَمْعَان يكذب) وقال الدارقطني في "سننه" (٣/ ٨٥): (متروك الحديث).
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه أبو داود في سننه (ص ٦٦) في كتاب "الطهارة" باب "في الأذى يصيب النعل" حديث رقم (٣٨٥)، وابن حبان في صحيحه (٤/ ٢٤٩) في كتاب "الطهارة" باب "تطهير النجاسة" حديث رقم (١٤٠٣)، والحاكم في "المستدرك" (١/ ٢٧٢) في كتاب "الطهارة" حديث رقم (٥٩١)، وقال الحاكم في "المستدرك" (١/ ٢٧٢): (هذا حديث صحيح على شرط مسلم فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق وقد حفظ في إسناده ذكر بن عجلان ولم يخرجاه).
(٢) في (ب): (فعُلم).
(٣) في (ب): (تشرّب).
(٤) انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني (٢/ ٢٢١).
(٥) في (ب): (و).
(٦) ينظر: " المبسوط للسرخسي (١/ ٨٢) "البحر الرائق؛ لإبن نجيم المصري، ومعه تكملته للقادري " (١/ ٢٣٥)، "رد المحتار " لابن عابدين (١/ ٣١٠).
(٧) في (ب): (النجاسة).
(٨) أبو جعفر: هو محمد بن عبد الله بن محمد، الفقيه أبو جعفر البلخي الحنفي، كان يقال له من كماله في الفقه: " أبو حنيفة الصغير ". يروي عن: محمد بن عقيل وغيره. وقد تفقه على أبي بكر محمد بن أبي سعيد الفقيه. أخذ عنه جماعة. وكان يعرف "بالهندواني" من محلة باب هندوان، وعاش اثنتين وستين سنة وثلاث مائة، وكان من أعلام أئمة مذهبه. توفى: ٣٦٢ هـ ينظر" تاريخ الإسلام للذهبي " (٨/ ٢٠٧).