للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: وهو المخاطب به دونها فيكون هو التارك لفرض المقام، فيفسد صلاته لذلك دون صلاتها لما أنها وإن خوطبت بالتأخر، لكن إنما خوطبت به في ضمن وجود التأخير حتى لو خوطب بالتأخير (١) نصًّا ولم تتأخر تفسد صلاتها دون صلاته لتركها الخطاب المنصوص (٢).

[[التقدم والتأخر عن الامام]]

وقد ذكر في «المحيط» (٣)، و «الذخيرة» (٤): أن المرأة إذا جاءت بعدما شرع الرجل في الصلاة، ونوى إمامتها، واقتدت به فلم يمكنه التأخير بالتقدم عليها خطوة أو خطوتين؛ لأن ذلك مكروه في الصلاة، وإنما تأخيرها بالإشارة باليد، أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل ذلك فقد وجد منه التأخير فيلزمها التأخر فإذا لم تتأخر فقد تركت فرضًا من فروض المقام فتفسد صلاتها لا صلاته، ثم قال: وهذه مسألة عجيبة، كالمأموم، أي: كالمقتدي، فإن هناك لما خوطب المقتدي برعاية ترتيب المقام دون الإمام، فلذلك فسدت صلاة المقتدي إذا ترك الترتيب بأن يتقدم على الإمام، ولا تفسد صلاة الإمام سواء تقدم أو تأخر؛ لأنه غير مخاطب بترتيب المقام بخلاف المقتدي لا يثبت دونها أي: دون النية (٥) ألا ترى أنه يلزمه الترتيب، أي: يلزم الإمام رعاية ترتيب مقامه بأن يؤخرها أو يتقدم هو عليها لوجود الفساد (٦) من محاذاتها، فكذلك يلزم الإمام نية إمامتها لصحة اقتدائها به؛ ليكون الضرر لو وجد وهو فساد صلاته عند محاذاتها بالتزامه لا بدون الالتزام (٧)، وقال شمس الأئمة السرخسي -رحمه الله-: وهذا لأنا لو صححنا اقتداءها به بغير النية قدرت على إفساد صلاة الرجل كل امرأة متى شاءت بأن تقتدي به فتقف إلى جنبه وفيه من الضرر ما لا يخفى (٨). وفي صلاة الجمعة والعيدين أكثر مشايخنا (٩) قالوا: لا يصح اقتداؤها به ما لم ينو إمامتها وإن كان الجواب مطلقا في الكتاب. يعني: بجواز اقتداء المرأة بالرجل في الجمعة والعيدين، ولكن هو محمول عند أكثر المشايخ على وجود النية من الإمام، ومنهم من سلم، ولكن يفرق بينها وبين سائر الصلوات، فنقول: الضرورة هاهنا في جانبها؛ لأنها لا تقدر على أداء صلاة العيد والجمعة وحدها، ولا تجد إمامًا آخر يقتدي به مع أن الظاهر لا يتمكن من الوقوف بجنب الإمام في هذه الصلوات؛ لكثرة الازدحام فصححنا اقتداؤها لدفع الضرر عنها بخلاف سائر الصلوات كالاقتداء (١٠).


(١) ساقط من (ب). (لكن إنما خوطبت به في ضمن وجود التأخير حتى لو خوطب بالتأخير).
(٢) يُنْظَر: العناية شرح الهداية: ١/ ٣٦٢.
(٣) يُنْظَر: المحيط البرهاني: ٢/ ١٣٣.
(٤) يُنْظَر: الذخيرة (٢/ ٢٧٣)
(٥) النية: هي الإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله وامتثالاً لحكمه، وقيل: قصد الطاعة والتقرب إلى الله تعالى في إيجاد الفعل. يُنْظَر: التلويح ١/ ١٧٥، الكليات ص ٩٠٢.
(٦) في (ب): زيادة فساد
(٧) روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها إذا وقفت خلف الإمام جاز اقتداؤها به وإن لم ينو إمامتها ثم إذا وقفت إلى جنبه فسدت صلاتها لا صلاة الرجل، وعند الشافعية: صلاة المرأة قدام رجل وبجنبه مكروهة ويصح صلاتها وصلاة المأمومين الذين تقدمت عليهم أو حاذتهم عندنا وعند الجمهور وعند المالكية: يكره صلاة رجل بين نساء وصلاة امرأة بين رجال ولا تفسد على الرجال صلاتهم ولا على نفسها خلافا لأبي حنيفة على تفصيل عنده.
ينظر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (١/ ٣٤٠)، المجموع (٤/ ٢٩٩)،). الخرشي على مختصر سيدي خليل (٢/ ٢٩)
(٨) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ١٨٥.
(٩) لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُنَّ إذَا لم يَنْوِ إمَامَتَهُنَّ لِأَنَّ في تَصْحِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ إلْزَامًا عليه بِفَسَادِ صَلَاتِهِ إذَا حَاذَتْهُ من غَيْرِ الْتِزَامٍ منه وهو مُنْتَفٍ وَخَالَفَ في هذا الْعُمُومِ بَعْضُهُمْ فَقَالُوا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ النِّسَاءِ وَإِنْ لم يَنْوِ الْإِمَامُ إمَامَتَهُنَّ في صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْجُمْهُورُ على اشْتِرَاطِهَا في حَقِّهِنَّ. ينظر: الْبَحْرُ الرَّائِق (١/ ٢٩٩).
(١٠) يُنْظَر: المَبْسُوط للِسَّرَخْسِي (١/ ٣٤٠)