للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل فيمن لا يكون خصمًا

لما ذكر أحكام من يكون خصمًا ذكر في هذا الفصل أحكام من لا يكون خصمًا لمناسبة المضادة بينهما وقدم الأول لما أنّه ينبئ عن الوجود والموجود شيء والشيء خير من لا شيء أو لأنّ الأوّل ينبئ عن صحة الخصومة لأنّ الرجل إنما يكون خصمًا لغيره شرعًا إذا صحّت خصومته بصحة دعواه والثاني عن فسادها والأصل هوالصحة فكان تقديم الأصل أولى، (وإن قال الْمُدَّعَى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب) إلى آخره (١) وكذلك لو قال الْمُدَّعَى عليه أنّه عارية عندي أو ما أشبه ذلك كذا في الذَّخِيرَةِ (٢).

[قول المدعى عليه لمدعي الملك: أَودَعَنِيه فلانٌ الغائب]

وقال في المَبْسُوط (٣): ولو ادّعى عينًا في يد رجل أنّها له وقال الذي في يديه أودعنيها فلان أو أعارنيها أو وكَّلني بحفظها لم يخرج من خصومة المدّعي إلا أن يقيم البينة على ما قال عندنا (٤).

وقال ابن أبي ليلى -رحمه الله- (٥): يخرج من خصومته بمجرد قوله من غير بينة.

وقال ابن شبرمة (٦) -رحمه الله-: لا يخرج من خصومته وإن أقام البينة على ما قال أمّا ابن أبي ليلى -رحمه الله- فقال كلام ذي اليد إقرار منه بالملك للغائب والإقرار يوجب الحق/ بنفسه لقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)} (٧)؛ ولأنه لا تهمة فيما يقرّ به على نفسه فيثبت ما أقرّ به بنفس إقراره ويتبين أن يده يد حفظ لا يد خصومة والدليل [على] (٨) صحة هذه القاعدة أن من أقر بعين لغائب ثُمَّ أقرّ بها لحاضر فرجع الغائب وصدقه يؤمر بالتسليم إليه وكذلك الصحيح [أي: الرجل الصحيح] (٩) إذا أقرّ لغيره بشيء ثُمَّ مرض وصدّقه المقر له كان إقراره إقرار الصحة.

وأمّا ابن شبرمة -رحمه الله- فقال: إن بهذه البينة يثبت الملك [للغائب وهو ليس بخصم في إثبات الملك له (١٠) (١١)؛ لأنه لا ولاية لأحد على غيره في إدخال شيء في ملكه بغير رضاه ثُمَّ خروجه من الخصومة في ضمن إثبات الملك لغيره، وإذا لم يثبت ما هو الأصل لا يثبت ما في ضمنه (١٢) كالوصية بالمحاباة إذا ثبتت في ضمن البيع فببطلان البيع تبطل الوصية ولنا أن هذه البينة تثبت أمرين:


(١) (أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينته على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٦٧).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٧/ ٣١٧).
(٣) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٦٦).
(٤) يُنْظَر: البحر الرائق (٨/ ٥٠٠).
(٥) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٣١٣).
(٦) يُنْظَر: شرح كتاب أدب القاضي (٣/ ٢٧٠).
(٧) سورة القيامة من الآية: (١٤).
(٨) [ساقط] من (أ).
(٩) [ساقط] من (أ) و (ب).
(١٠) يُنْظَر: شرح كتاب أدب القاضي (٣/ ٢٧٠).
(١١) [ساقط] من (ج).
(١٢) يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٦٧).