للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[الذمة تضعف بالرق]]

وذكر في «المبسوط» (١): (ومحل التصرف ذمة صالحة لالتزام الحقوق ولا ينعدم (٢) ذلك؛ فإن صلاحية الذمة للالتزام من كرامات البشر، وبالرق لا يخرج من أن يكون من البشر إلا أن الذمة تَضْعف بالرق، فلا يجب المال فيها إلا شاغلًا مالية الرقبة- ومالية الرقبة حق الموْلَى وكان محجورًا عن التصرف لحق الموْلَى في مالية الرقبة-، وذلك يسقط لوجود الرضا منه لتعلق/ الحق بمالية رقبته فكان الإذن فكًّا للحجر (٣) من هذا الوجه؛ وإنما ينعدم بالرق الأهلية لمالكية المال؛ لأنه يصير به مملوكًا مالًا، وبين كونه مملوكًا مالًا وكونه مالكًا للمال منافاة؛ ولهذا لا ينعدم بالرق الأهلية لمالكية النكاح (٤)؛ لأنه لا يصير به مملوكًا نكاحًا.

فإن قيل: فينبغي أن ينعدم بالرق الأهلية لملك التصرف؛ لأنه صار مملوكًا تصرفًا فإن الموْلَى يملك التصرفات عليه؛ قلنا: إنما يصير مملوكًا تصرفًا في نفسه بيعًا أو تزويجًا فلا جرم تنعدم الأهلية لمالكية هذا التصرف، ويكون نائبًا فيه عن الموْلَى متى باشره بأمره بأن باع نفسه بأمره، ولكن لا يصير مملوكًا تصرفًا في ذمته، حتى أن الموْلَى لا يملك الشراء بثمن يجب في ذمة عبده (٥) ابتداء، فتبقى له الأهلية في ملك هذا التصرف، كما أنه لم يَصِرْ مملوكًا تصرفًا عليه في الإقرار بالحدود (٦) والقِصاص بقي مالكًا لذلك التصرف.

[[انعدام أهلية المأذون]]

فإن قيل: انعدام الأهلية لحكم التصرف، وهو الملك لسبب الرق يقتضي ألا يكون أهلًا لنفس التصرف؛ لأن التصرفات الشرعية لا تراد لعينها بل لحكمها (٧)، وهو ليس بأهلٍ فلا يكون أهلًا- لسببه كأسباب العبادات غير ثابتة في حق الصبي والمجنون (٨)؛ لأنهما ليسا بأهل لحكمها وهو الابتلاء- قلنا: لا كذلك فحكم التصرف ملك اليد (٩)، والرقيق أهل لذلك، ألا ترى أن استحقاق ملك اليد (١٠) يثبت للمكاتَب مع قيام الرق فيه؛ وهذا لأنه مع الرق أهل للحاجة فيكون أهلًا لقضائها، وأدنى طريق (١١) قضاء الحاجة ملك اليد، فهو الحكم الأصلي للتصرف، وملك العين مشروع للتوصل إليه، فما هو الحكم الأصلي يثبت للعبد، وما وراء ذلك يخلفه (١٢) الموْلَى فيه، وهو نظير من اشترى شيئًا على أن البائع بالخيار، ثم مات، فمتى اختار البيع للبائع يثبت ملك العين للوارث على سبيل الخلافة عن الْمُوَرِّثِ بتصرُّفٍ باشره الْمُوَرِّثُ بنفسه) (١٣).


(١) للسرخسي (٢٥/ ٢).
(٢) في (أ) (ينقده) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢).
(٣) في (ع) (للمحجور) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٢).
(٤) النكاحُ لغةً: الْوَطْءُ وَقَدْ يَكُونُ العَقْدَ. الصحاح (ن ك ح) (١/ ٤١٣)، المغرب مادة (ن ك ح) (ص: ٤٧٣)، وشرعًا: عقد موضوع لملك المتعة أي: لحل استمتاع الرجل من المرأة. انيس الفقهاء (ص: ٥٠)، الاختيار (٣/ ٨١).
(٥) سقطت في (ع).
(٦) الْحَدُّ لغةً: فِي الْأَصْلِ الْمَنْعُ وهو الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَحَدُّ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ. المغرب مادة (ح د د) (ص: ١٠٦)، مختار الصحاح مادة (ح د د) (ص: ٦٨) وشرعًا: هي عقوبة مقدرة وجبت حقًا لله تعالى. الاختيار (٤/ ٧٩).
(٧) انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٣)، العناية شرح الهداية (٩/ ٢٨٣)، فتح القدير (٩/ ٢٨٢).
(٨) المجنون: هو من لم يستقم كلامه وأفعاله. التعريفات (ص: ٢٠٤)، معجم لغة الفقهاء (ص: ٤٠٧).
(٩) اليَدُ: المِلْكُ. لسان العرب (١٥/ ٤٢٣).
(١٠) سقطت في (أ).
(١١) في (ع) زيادة (الحاجة) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٣).
(١٢) في (أ) (يلحفه) وما أثبت هو الصحيح. انظر: المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٣).
(١٣) المبسوط للسرخسي (٢٥/ ٣).